حماية المستهلك.. آخر اهتمامات الجمعية
مضى اليوم على قرار مجلس الوزراء بالموافقة على إنشاء جمعية متخصصة لحماية المستهلك ما يزيد على أربع سنوات، وكأي مواطن في هذا البلد ''أسمع جعيعاً ولا أرى طحينا'' يذكر لهذه الجمعية. مع العلم أنه قد أُوليت لهذه الجمعية عناية خاصة، بل إنها تكاد تكون الجمعية الأهلية الوحيدة التي تلامس حياة كل فرد على أرض هذا الوطن، والجميع يدعو بنجاحها ويأمل المساهمة في عطائها. لكن الواقع يعكس غير ذلك كثير، والظنون بدأت تتسرب إلي عقولنا وأفئدتنا بأن هذه الجمعية أريد لها أن تبقى مبتورة الأجنحة حتى لا تطير وتعلو فتكشف أمرا قد استتر بين تجارنا.
مع أن الجمعية قد وضع لها نظام ولائحة عمل واضحان، إلا أنها اشتغلت بتفسيرات وممارسات، لا تجد من يحاسب المتسبب فيها. فالجمعية دخلت في صراعات داخلية، تُنبئ أن فرض التواجد في محيط هذه الجمعية ليس خدمة للمواطنين بقدر ما هو خدمة للمصالح الشخصية، وهذا ما أكده عدد من أعضاء مجلس الشورى في أكثر من مناسبة. انتهت المرحلة السابقة وبدأنا عهدا جديدا، لتصطدم الهيئة بلا مبالاة من وزارة التجارة في حماية المواطن من عصى التاجر الموجعة، ليظهر لنا الرئيس المنتخب للجمعية ويتهم ''وزارة التجارة بتعطيل عمل الجمعية، ما فتح المجال لبعض التجار للمبالغة في الأسعار دون أن يتعرضوا لسلطة تردعهم سواء من المستهلك أو من الجهات التي تمثله'' (العربية نت، 20/7/2011). وهذا يؤكد للجميع أن ارتباط هذه الجمعية بوزارة التجارة وهي ''مظلة التجار'' ارتباط قد أضعف الجمعية كثيرا، بل يجعلها تحت رحمة الوزارة والتجار، وإلا حرمت من الدعم الحكومي الذي لن يحصل إلا بتوصية من الوزارة، أو بحرمانهم من الاستحقاق الذي خصص لهم من دخل الغرف التجارية ''بيت التجار''، وهنا أتساءل كيف لجمعية تراقب عمل التجار، أن ترتبط إداريا وماليا بهؤلاء التجار؟
وبما أننا من مجتمعات عشقت إيجاد شماعة لتحميل أي قصور عليها، فالمجال هنا يُفتح على مصراعيه لادعاء وجود ''نظرية للمؤامرة'' بين التجار والوزارة، من خلال تعطيل استحقاقات هذه الجمعية الإدارية أو المالية. وهنا يمكن الاستشهاد بما روي عن رئيس الجمعية المنتخب الذي اتهم الغرف التجارية بتعطيل قرار مجلس الوزراء بتخصيص ما نسبته 10 في المائة من دخل المصادقات لصالح الجمعية وقال: ''عندما وضعت على المحك ـــ (يقصد الغرف التجارية) ـــ عبر قرار مجلس الوزراء الذي يفرض أن تخصص كل غرفة تجارية على حدة، نسبة 10 في المائة من إجمالي دخل المصادقات لمصلحة جمعية حماية المستهلك، أحجمت غالبية الغرف عن تنفيذ القرا'' (الحياة، 2/8/2011).
من الشواهد أيضا ما رد به وزير التجارة للإعلاميين عندما سألوه عن تلاعبات التجار بالأسعار وتفاوتها من تاجر إلى آخر، ليرد عليهم: ''أنها مستقرة وتحت السيطرة'' (الرياض، 15757)، مستقرة تعني أن الأسعار لم يحدث عليها أي تغييرات، وتحت السيطرة توحي بأن الوزارة تقوم بدور كبير لمحاربة الغلاء المستشري في كل سلعة على حدة، وهذا ما لا يلمسه المواطن، وما تعكسه وسائل والإعلام يوميا دليل على ذلك.
المواطن ليس في عداء لهؤلاء التجار، والوطن ليس محطة للتزود بالأموال. يجب أن يعي التجار أن من المواطنة أن يساهموا في بناء واستقرار هذا الوطن من خلال تبني مشاريع تقتنع بالربح المعقول وتحافظ علي مقدرات هذا الوطن المادية والبشرية. إغراق الأسواق بالسلع المقلدة والرديئة هو مسؤولية التجار أمام الوطن، رفع الأسعار لإرهاق المواطن البسيط هو مسؤولية التجار أمام الوطن.
رئيس جمعية حماية المستهلك اتهم الغرف التجارية بتخليها عن الدور ''المطلوب منها من تفعيل المسؤولية الاجتماعية بشقيها الإيجابي والسلبي'' (الحياة، 2/8/2011)، في سلسلة مقالات المسؤولية الاجتماعية للشركات CSR في هذه الزاوية تحدثت في الأسبوع الفائت عن هرم المسؤولية الاجتماعية، والذي يعتمد في قاعدة الهرم على المسؤولية الاقتصادية، ويتمثل في مسؤولية التاجر عن توفير السلع والخدمات بالسعر المعقول، والذي يحقق الجودة ومناسبة السلع لدخل وحاجة الموطن.
ختاما، أقول إننا نفخر بالعديد من الشركات العاملة في المملكة وبقدراتها المادية والبشرية، ونعلم يقين العلم أن لها دورا كبيرا في توطين واستدامة الخير الذي يعيشه الوطن، لذلك يجب أن تبقى علاقات المستهلك بالتاجر''الشركات'' علاقة تكاملية وليست علاقة استغلالية. حتى لا يظهر من يطالب بمقاطعة سلع ومنتجات هذه الشركات، فيكون الخاسر الأول هو الوطن.
وحتى لا تنتظر جمعية حماية المستهلك الدعم الذي يغدق عليها من جهة التاجر، فإن لديها نافذة الاستفادة من قدرات العمل التطوعي الذي يتطور يوما بعد يوم في بلادنا الحبيبة.