الحرب على سورية
هل صحيح أن سورية تتعرض لحرب؟ نعم إنها تتعرض لحرب شرسة مدمرة ومن لا يعترف بتعرضها للحرب فهو خائن للأمة وخائن للأمانة التامة. كما أنه لا يعرف في السياسة شيئاً على الإطلاق، الحرب التي تتعرض لها سورية ترتب عليها آلاف الموتى الذين يسقطون يومياً في شوارع، ومدن، وقرى سورية بكاملها حتى مدينة حلب التي لم تتحرك بالشكل الذي تحركت به المناطق، والمدن الأخرى. الحرب شواهدها كثيرة، فهذه الدبابات، والمدافع تصوب حممها نحو الأحياء السكنية، والمساجد، والأسواق، ولا تستثني مكاناً على الإطلاق، الجنائز في سورية جماعات ترفع على الأكتف، ويسار بها إلى المقابر، وفي هذه المسيرات الجنائزية تتعرض جموع المشيعين للقتل.
السؤال المهم في الحرب على سورية من يشن هذه الحرب؟ بالطبع الشعب السوري هو الذي يشن الحرب على ذاته، هذه هي الرواية الرسمية التي تبثها أبواق نظام البعث، أو بالأحرى نظام عائلة الأسد، فهذا الشعب ينفذ أجندة خارجية لصرف سورية عن دورها القومي في الدفاع عن القضايا العربية، وقضية العرب المركزية قضية فلسطين التي ظل النظام يدافع عنها طول هذه العقود، حيث حرس حدود إسرائيل الشمالية، ولم ير الناس الدبابات، والمدافع، وطائرات الهليكوبتر إلا في المدن السورية، بينما العدو الصهيوني نام قرير العين خلال العقود الأربعة من حكم عائلة الأسد لقد تعرف الناس في سورية، وخارجها على قوة، وبطش النظام، وجاهزية جيشه في شوارع مدن، وقرى سورية، ولم تشاهد قطعة عسكرية خلال أربعة عقود على الحدود مع الكيان الصهيوني الذي ظل نظام الأسد يكرر ممانعته للسلام معه بصفته مغتصباً للأرض العربية ومحتلاً لها.
هذه الأفعال التي شاهدها الناس في المعمورة كافة، وما يزالون يشاهدونها لا يمكن فصلها عن شعارات ترد في أدبيات حزب البعث الذي تحكم باسمه ومن خلاله سورية خلال العقود الماضية إذ إن من الأدبيات التي يرفعها الحزب، ويكررها أنصاره، ومؤيدوه مقولة أمة عربية واحدة ذات رسالة خالد، ومقولة وحدة، حرية، اشتراكية. هل عمل الحزب منذ تسلّمه للسلطة على وحدة الحرب، ولم شملهم؟ كلا، إنه سعى خاصة في عصر عائلة الأسد إلى المناكفة، والمشاكسة للعرب في القضايا كافة، وما السلوك السياسي للنظام في لبنان إلا شاهد على هذه المناكفة التي لا حدود لها، أما تلاعبه في قضية فلسطين، وابتزاز الفضائل الفلسطينية فهو شاهد آخر على هلامية هذا الشعار.
الوحدة كما وردت في الشعار الأول، وفي المقولة الثانية لا وجود لها إطلاقاً ليس على مستوى الأمة العربية بل وعلى مستوى الوطن السوري أو القطر السوري فالمراكز الوظيفية في الجيش، وفي مراكز الدولة كافة المهم منها، وغير المهم محتكرة في الفئة التي تنتمي لها عائلة الأسد، ولعل بث الفرقة بين مكونات الشعب السوري التي عمل عليها النظام طوال هذه السنين برزت خلال الأحداث من خلال بث الشائعات من خلال وسائل الإعلام الرسمية للنظام عن اقتتال طائفي خاصة بين السنة، والعلويين فأي وحدة يتحدث عنها النظام، وهو الذي يسعى لإشعال الفتنة الطائفية، ويكرسها في سياساته، وممارساته اليومية حتى قبل الأحداث.
الحرية لم تر النور في سورية، وذاق السوريون الأمرين، وضيق عليهم الخناق في الوجوه كافة إذ لا حرية للكلمة ولا في السلوك، بل إنه لا مجال لنقد النظام ولو كان بسيطاً، وقد دفع الكثير من السوريين حياتهم ثمناً لكلمة قيلت في مجلس أو نسبت لشخص حتى عاش السوريون حالة خوف، وتوجس من الجميع حتى، وإن كانوا من الأهل، والأقارب. وأد الحرية في سورية أدى بالنظام إلى الزج بالآلاف في السجون لعقود لا يعلم عنهم أهلهم شيئاً فهل يمكن أن يستمر النظام في رفع هذا الشعار الذي يمثل وصمة عار عليه لأنه بالممارسة فقد كل مصداقية، ومعنى. المتظاهرون الذين خرجوا بالملايين مطالبين بالحرية، والكرامة تعامل معهم النظام بآلة الحرب واعتبرهم مخربين، وقتلة، وينفذون أجندة خارجية فهل يدعي النظام أنه وفر الحرية، والكرامة لشعبه، وهو الذي يعتقل بالآلاف ولا يميز في القتل بين طفل، وامرأة، و شيخ؟!
عنصر الاشتراكية وهو العنصر الثالث في الجملة السالفة الذكر جلبت الفقر، وتردي الأوضاع المعيشية للسوريين. وبلاد الشام التي كانت مقصد الباحثين عن العمل، والرزق من الدول المجاورة أصبحت طاردة لأهلها الذين خرجوا منها يبحثون عن عمل في أماكن أخرى، أما من بقي منهم فحظه الفقر، والمهانة، أو السجن إذا لم يكن من حاشية أسرة الأسد التي كدس أفرادها المليارات من خيرات الوطن، وهربوها إلى الخارج. حقاً إنها مفارقات عجيبة تلك التي نقرأها، ونسمعها، وتلك التي نشاهدها فما نقرأه، ونسمعه ما هو إلا شعارات زائفة أضاعت الوطن خلال هذه العقود الأربعة، وجوعت الشعب، وأهدرت كرامته من أجل ماذا، من أجل استمرار الحكم في أسرة الأسد. إن ممارسات نظام الأسد خلال الأحداث، وفي شهر رمضان المبارك تؤكد أن نظام الأسد لا يكن العداء لشعب سورية فقط بل يمارس هذا العداء على أرض الواقع، وكأن لسان حال السوريين يقول أسد علي وفي الحروب نعامة!