رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الخلل في الدخل.. أزمة الاقتصاد الأمريكي

من الأمور المزعجة في أوضاع الاقتصاد الأمريكي التي تشكل خطرا بنيويا، بدأت المخاوف الحقيقية من توسعه، هو: (ازدياد الفجوة بين الأغنياء والفقراء)، وهي حالة تنتج عن عدم المساواة في الدخل، أي الخلل في إدارة الثروة الوطنية، وازدياد ثراء الأثرياء، وتراجع الطبقة الوسطى شهد قفزة كبيرة خلال إدارة بوش السابقة، والخوف من هذا حقيقي لأن تعامل السياسيين سواء في الكونجرس أو في إدارة أوباما، يخالف الطريقة التي تعاملت بها النخبة السياسية الأمريكية السابقة من بعد الكساد العظيم في الثلاثينيات، مع العدالة في الدخل، ففي العقود الماضية ظل الحفاظ على التوازن في توزيع الثروة والدخل القضية المقدسة والخط الأحمر للسياسيين ورجالات الدولة.. إلا أن هذا اختلف عندما أصبحت الدولة يديرها السياسيون الجدد.. أي مندوبو المصالح الخاصة وممثلو الأثرياء.
وأول المخاوف والتحذيرات من هذا الخلل في توزيع الدخل ظهر بقوة العام الماضي، وجاء في تقرير لنخبة من الاقتصاديين الأمريكان الذين أوكلت لهم اللجنة الاقتصادية المشتركة في الكونجرس الأمريكي دراسة بيانات الدخل وتوزيعه في العقود الثلاثة الماضية، واللجنة ممثلة من الحزبين وهدفها فحص وتحليل ودراسة البيانات الأمريكية المتعلقة بالعمل والدخل.
اللجنة في تقريرها لاحظت نمو هذه الظاهرة الخطيرة، أي الخلل في الدخل، ووجدت أن هذا يشكل خطرا حقيقيا لأنه يؤسس (لاقتصاد الفقاعات)، ويذهب بالتمويل المالي ليكون متاحا لخدمة الكيانات الاقتصادية الكبيرة على حساب الكيانات الاقتصادية المحلية الصغيرة وعلى حساب الاستثمار في البنية الأساسية والتعليم والصحة.
لقد قاد الجمهوريون المجتمع والاقتصاد إلى حالة اختلال الدخل، فقد أطلقوا مشروع حرب النجوم لتصعيد المنافسة مع الاتحاد السوفياتي، وكان لهذا البرنامج أثره في إنهاك الاتحاد السوفياتي وبالتالي تفككه. الآن وبعد ثلاثة عقود من برنامج التسلح وتصعيد الإنفاق العسكري وتبني التوسع العسكري الكبير ومواصلة الحروب أنهك الاقتصاد الأمريكي وجر المشاكل للاقتصاد العالمي.
أمريكا حصتها تقارب 40 في المائة من الإنفاق العسكري في العالم، ولديها الآن 700 قاعدة عسكرية، وتكلفة الحرب في أفغانستان والعراق تصل إلى 120 مليار دولار سنويا، وإجمالي الإنفاق السنوي على الدفاع يصل إلى 640 مليار دولار.
تقرير اللجنة الاقتصادية المشتركة لاحظ أن ظاهرة الخلل الكبير في الدخل بدأت تقفز معدلاتها مع حكم ريجان، بعكس الفترة التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية حيث كان التفاوت ينمو بحدود معقولة ومقبولة، إلا أنه منذ عام 1980 وحتى عام 2008 تضاعف دخل شريحة الأثرياء الذين يشكلون 10 في المائة من السكان، وهذا جعل أمريكا ـــ حسب وصف اللجنة ـــ هي الأبرز بين الدول الأكثر خللا في توزيع الدخل بين السكان. (الآن أقل من 1 في المائة من السكان يملكون 20 في المائة من إجمالي الناتج المحلي).
هذا الوضع المختل قاد إلى تراجع الطبقة الوسطى وتآكل دخلها، بالذات في سنوات الرئيس بوش الابن، وما يخيف بالنسبة للأوضاع في أمريكا هو أن انحدار الطبقة الوسطى وتنامي الخلل في توزيع الدخل سوف يجران لأزمة اقتصادية عميقة، لأن الاقتصاد إذا شهد ظاهرتين هما: كساد كبير مع خلل كبير في عدم المساواة في الدخل، فهذا سوف يؤدي إلى عدم استقرار الاقتصاد الكلي، ومن نتائجه استمرار الطبقة الوسطى في البحث عن التمويل لمواجهة احتياجاتها، ومع البطالة وتوافر السيولة المالية لدى مراكز الثراء الكبيرة التي سوف تجد فرصتها لبيع السلع والمنتجات المالية، هذه الأوضاع تؤدي إلى تراكم الديون وتقلل الادخار وتجر الاقتصاد إلى الأزمات المتتالية.
مشاكل الاقتصاد الأمريكي أصبحت رئيسية وعميقة، وهذا ما يخيف المستثمرين العالميين، والحلول لن تكون سهلة، فأزمة الحكم والإدارة وعدم علاج المشاكل من جذورها هو الذي يأخذ الاقتصاد إلى الانحدار والتراجع المستمر.
السؤال: كيف تخرج أمريكا من مأزقها وقياداتها ليست على مستوى التحدي لمواجهة أزمة كبرى مثل أزمة الدين العام أو أزمة الخلل في توزيع الدخل، فالأثرياء يزدادون ثراء، وتراجع الطبقة الوسطى يوسع قاعدة الفقر!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي