رمضان هذا العام يحيل آخر مسحراتي في الشرقية للتقاعد

رمضان هذا العام يحيل آخر مسحراتي في الشرقية للتقاعد

في المنطقة الشرقية، أفل هذا العام نجم المسحراتي أو المسحر الذي عرفته أحياء وأزقة المنطقة طيلة قرون مضت شأنها في ذلك شأن جميع مدن العالم الإسلامي، فقد اختفى صوت المسحراتي وقرع طبلته في جميع مدن المملكة.
''الاقتصادية'' بحثت عن المسحراتي في عدد من أحياء المنطقة الشرقية، وأطرقت سمعها علنا لتسمع قرع طبلته وصدى أذكاره ولكنها لم تجد له أثرا. قيل إن آخر مكان سمع فيه قرع طبلة المسحر كان في جزيرة دارين. فانتظرناه هنالك في الأزقة التي يظهر فيها عادة، وعندما لم يظهر سألنا عنه، فقيل لنا إن الحاج عبد الله نائم وإنه توقف عن مزاولة عمل المسحر لكبر سنه ولأنه لم يعد هناك من يوقظه فالجميع مستيقظون، كما أن صوته لم يعد يصل لآذان الناس بسبب ضجيج أجهزة التكييف وارتفاع أصوات أجهزة التلفزيون. كنا نرى الأسى في عيون الأطفال عندما نسألهم عن موعد ظهور المسحر فنسمع الإجابة نفسها '' من زمان ماعاد شفناه''. أحد الأطفال علق ''جادا'' أن الحاج عبد الله قد اشترى هو الآخر منبها ليوقظه للسحور..! تأكدنا حينها أن آخر مسحر في المنطقة الشرقية قد أحال نفسه للتقاعد دون أن يورث هذه المهنة لأحد من أولاده وبذلك تودع المنطقة هذه الظاهرة إلى الأبد.
المنطقة الشرقية ليست الوحيدة التي فقدت أحد المعالم الرموز الرمضانية فقد اختفى المسحر في معظم مدن العالم الإسلامي وضعف حضوره وقلت نجوميته في مدن أخرى بسبب عدم الحاجة إليه واعتماد الناس على المنبهات والوسائل الحديثة للتنبيه من النوم. ولكن بعض المدن حافظت على وجوده كنوع من التقليد والمحافظة على الموروث فلا يزال صوته يسمع في بعض أزقة القاهرة وفي بعض أحياء الشام العتيقة.
ظهر لمسحر أول الأمر في القاهرة في أيام الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي خصص بعض جنوده للمرور على بيوت الناس في رمضان لإيقاظهم للذكر والسحور، وكان الجنود في بادئ الأمر يستخدمون أساليب مزعجة لإيقاظ العامة، ولكن الأسلوب تطور مع الوقت وتم ابتكار عبارات وأذكار وأناشيد مختلفة، وفي أيام المماليك أصبح التسحير مهنة لها قوانينها وأدبياتها وانتشرت المهنة في بقية مدن العالم الإسلامي.
وترسخت ظاهرة المسحراتي في الثقافة الإسلامية وأصبح ظهور المسحراتي مرتبط بظهور هلال رمضان، وأصبح التسحير مهنة يتوارثها الأبناء عن آبائهم، كما أن المسحراتي اتخذ في بعض المدن زياً خاصاً. وشهدت الحارات القديمة تنافس المسحراتية للفوز باستحسان الناس لذلك حرصوا على تجويد أناشيدهم وابتكار جمل شعرية ولحنية جديدة تركز جميعها على الذكر وفضل الشهر الكريم إضافة للمدائح النبوية. وكان المسحراتي يكافأ بما تجود به نفوس الأهالي من طعام ونقود، كما كان يحظى بمنزلة خاصة لدى الأطفال الذين كانوا يجتمعون حوله ويرددون جمله إلا أنه يتعرض لمضايقاتهم البريئة أحياناً.
واكتسب المسحراتي بعداً فنياً في عدد من المدن العربية ففي الشام ولبنان كان المسحراتي في الغالب منشداً عذب الصوت يردد المدائح النبوية والأذكار ويقرع على طبلته بإيقاع خاص يعرفه الناس ويستيقظون عليه، وفي بغداد ابتكر البغداديون فن القومة الذي كان خاصاً بأناشيد السحور ولم يكتف مسحرو بغداد بالطبلة بل استعانوا في عملهم بمختلف الأدوات الموسيقية.

الأكثر قراءة