مكة: سيارات الأجرة في رمضان.. استغلال ومبالغة ومزاجية
تتسابق سيارات الأجرة للظفر بالنصيب الأعلى من قيمة مشوار لا يتخطى بضعا من الكيلومترات لنقل المصلين من المسجد الحرام إلى منازلهم أو أماكن سكنهم في الفنادق وشقق التأجير، وبأسعار كبيرة جدا، مستغلين الزحام الكبير بعد صلاة تراويح كل ليلة من أيام رمضان وفي غياب الرقيب.
وبلغ سعر المشوار من المسجد الحرام إلى حي الرصيفة 50 ريالا وإلى العزيزية التي لا يفصل بينها وبين المسجد الحرم سوى نفق محبس الجن 40 ريالا وإلى العوالي والشرائع بسعر يراوح بين 70 و100 ريال، كل ذلك لا يأتي بشكل عاجل، ولكن قد يصل السعر عند هذا المستوى بعد محاولات عدة ومفاصلات في السعر مع قائدي المركبات مهما اختلف نوعها أو طرازها، وهو الأمر الذي أيضاً يتسبب في إرباك الحركة المرورية وتكدس الطرق بالمركبات.
#2#
وفي جولة ميدانية لـ ''الاقتصادية''، تم رصد عدة سيارات أجرة رفضت الإيصال إلى حي الشرائع لبعده عن المنطقة المركزية، إلا أن شابا عشرينيا وصف نفسه بالمغامر، يقود مركبة ذات الطراز الثمانيني، ليبدأ في مفاصلات في السعر مع ذلك المعتمر من إحدى الجنسيات العربية لإيصاله إلى حي الشرائع الواقع على طريق السيل – مكة المكرمة، ولينتهي ذلك الحوار بموافقة المعتمر على دفع مبلغ يصل إلى 120 ريالا لأجل مشوار لا يتجاوز نحو العشرة كيلومترات تقريباً.
وبانتهاء صلاة التراويح من كل يوم من أيام شهر رمضان، تجد التكدس والاختناق المروري هو السمة البارزة في المنطقة المركزية المحيطة بالحرم المكي الشريف، فغالبية قاصدي المسجد الحرام من الزوار والمعتمرين يقبعون في زاوية الانتظار ويريدون العودة إلى مقار سكنهم عقب انتهاء الصلاة، ولكن بسعر معقول، بخلاف ذلك المعمول به لقيمة مشوار المركبة في الوقت الحالي.
كما تبدأ رحلة البحث عن وسيلة مواصلات لرحلة العودة لتدوم في مرات عديدة لوقت طويل، فما بين سيارات الأجرة والحافلات الصغيرة ''الميكروباص'' وسيارات الخصوصي، تتجلى ظاهرة المغالاة وارتفاع الأسعار لقيمة المشوار بشكل غير مبرر من ناحية المسافة، ولا يبرره سوى انعدام الرقابة وعدم تطبيق القانون الخاص بعداد السعر في مركبات الأجرة، وذلك في ظل تقاذف الجهات المعنية المسؤولية وعدم وجود الجهة الرقابية القادرة على إلزام قائدي مركبات الأجرة بالتقيد بالتسعيرة التي يفصل فيها بينه وبين الزبون ذلك العداد الذي تشترط وزارة المواصلات تركيبه عند التقدم للحصول على بطاقة التشغيل، ودون أن تلزم بالعمل به وتطبيقه إنصافا للركاب خاصة القادمين من خارج مكة المكرمة.
وتبدو الأسعار للمشوار لا تطاق، فبالأمس القريب وتحديداً قبل مطلع شهر رمضان، لم يكن هناك سوى ''كدادي'' خط البلدة كما يفضل أهل مكة أن يطلقوا عليهم، وهم المتمثلون في قائدي المركبات الخاصة مهما اختلف نوعها أو طرازها، إلا أن سعرها يظل ثابتاً للمشوار مهما كانت المسافة، حيث لا يتجاوز السعر نحو ريالين من أي نقطة بداية وإلى أي نقطة وصول، عدا أن يكون الراكب يرغب في استقلال المركبة بشكل منفرد، فهنا سعر المشوار مهما طالت المسافة، فإنه سيظل يراوح بين 5 و15 ريالا في أقصى الحدود.
#3#
الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل إن قائدي سيارات الأجرة المرخص لها بالعمل يعملون باختيار مناطق نقاط الوصول بشكل مزاجي لا تحكمه قوانين العمل في هذه المهنة، وقد يصل بهم الحال إلى أن يرفضوا الوصول إلى بعض الأحياء مهما كان السعر، والتي منها حي المسفلة والعتيبية، وذلك في تبرير لأسباب قد لا تكون مقنعة، وهي المتمثلة في عشوائية وازدحام تلك الأحياء التي يصعب الوصول إليها والعودة مجددا بوقت وجيز للمنطقة المركزية، وهو ما يجعل السؤال يطرح نفسه ليقول: هل يحق لقائد سيارة الأجرة الاختيار لنوعية الزبون أو مكان الوصول أو تحديد السعر كيفما اتفق؟.
عدد من الزوار والمعتمرين وصوفوا أسعار سيارات الأجرة بالمرتفعة جدا حد المبالغة، مطالبين بإلزام سيارات الأجرة بالعمل على تسعيرة العداد التي يرفض العمل بها قائدو تلك المركبات، وشددوا على ضرورة وجود جهات رقابية لتنظيم تسعيرة سيارة الأجرة، مشيرين إلى أنهم يفضلون التنقل عبر مركبات ''الميكروباص'' التي في الغالب لا تملك كرت تشغيل نظامي يؤهلها للعمل بشكل رسمي، وذلك لأنها الأنسب سعرا لهم، حيث تراوح أسعار المشاوير فيها بين 5 و10 ريالات، وفي أوقات الذروة والعشر الأواخر من رمضان بين 20 و25 ريالا داخل المركبة وعلى سطحها 10 ريالات، وكل ذلك وهي لا توصلهم إلا على الطرق العامة الرئيسية وليس إلى أبواب مساكنهم.
من جهته، أوضح الرائد فوزي الأنصاري، الناطق الإعلامي في إدارة مرور العاصمة المقدسة، أن الحافلات الصغيرة ''الميكروباص'' التي تعمل على نقل الزوار والمعتمرين من وإلى المسجد الحرام وأحياء مكة المختلفة غير مصرح لها بالعمل، كما أنها غير مصنفة ضمن وسائل النقل الخاصة.
وقال الأنصاري: ''قائدو مركبات الميكروباص يعرضون أنفسهم للغرامة المالية المقدرة كحد أدنى بـ 150 ريالا وكحد أعلى بـ 300 ريال، وإن إمكانية حجز المركبة أمر وارد في حال سببت إعاقة للحركة المرورية''.
وعن المبالغة في تحديد أسعار المشاوير داخل مكة، أفاد الأنصاري بأن هذا ليس من اختصاص إدارة المرور، وأنه قد يكون إما من اختصاص وزارة النقل أو وزارة التجارة, مستدركا أن اختصاصهم يتمحور بما هو موجود في الميدان.
وعلى الصعيد ذاته أكد مصدر مسؤول في فرع وزارة النقل في مكة لـ ''الاقتصادية'' أن مهام إدارته تتمثل في منح بطاقة التشغيل لسيارات النقل، حيث لا يتم صرف تلك البطاقة لنقل الزوار والمعتمرين إلا إذا كانت الحافلات كبيرة، وتنطبق عليها وعلى قائدها الشروط والمواصفات التي وضعتها وزارة النقل، مشيراً إلى أن أي مركبة أخرى تمارس نشاطا غير مرخص له فإنها تعرض نفسها للمخالفات المرورية. وحول مطالبة الزوار والمعتمرين بنظام العداد أكد المصدر أنه يحق لكل مواطن أو مقيم أو زائر أو معتمر المطالبة بنظام العداد، حيث إن النظام موجود بسيارات الأجرة، كما أنه لا يتم تجديد أي ترخيص لسيارات الأجرة إلا بعد التأكد من أن العداد يعمل وفقاً للمواصفات والمقاييس ويعمل بشكل جيد، وفي حال عدم تشغيل العداد يحق لأي مواطن أو مقيم إبلاغ الدوريات الأمنية بذلك.