المسؤولية الاجتماعية للشركات في المجتمع الإسلامي (6)
ترتبط المسؤولية الاجتماعية للشركات في الشريعة الإسلامية كما ذكرنا في المقال الأول بمعاني الإحسان بفروعه المختلفة، إلا أن المسؤولية نحو المجتمع سواء للفرد أو المؤسسة تتجاوز كونها شكلا من أشكال الإحسان نحو الإنسان والبيئة، إلي كونها عبادة وتربية تنشأ مع الفرد ولا تموت إلا بموت المجتمع الإسلامي، بل إن من عجائب هذه التربية أن تبنتها المجتمعات غير الإسلامية وطورتها بأشكالها المختلفة، حتى أضحت دول التعاليم الإسلامية متأخرة في ذلك عن دول العالم المسؤولة تجاه كل أمور الحياة.
وبما أن هذه السلسلة تتولى موضوع المسؤولية الاجتماعية للشركات، فلا بد من ذكر بعض الرؤى التي أسهمت في طرح ومناقشة أدبيات هذا الفرع من فروع المعرفة في الدول المتقدمة، فقد طرح Friedman رؤية أن المسؤولية الاجتماعية للمؤسسة التجارية تنصب في مسألة تعظيم الأرباح، وعليه فقد عرف المشروع ذا المساهمة الاجتماعية بأنه ''المشروع الذي يستخدم موارده ويشارك في الأنشطة التي تساعد على تعظيم أرباحه .. بمعنى آخر الدخول في الاستثمارات التي تتصف بالمنافسة الحرة والمفتوحة دون خداع أو غش''. إذا من الواضح أن Friedman يرى أن تعظيم الأرباح يجب أن يكون الدافع الرئيس للمنشآت التجارية في المجتمع، وعليه فهو يعتقد أن فائدة المجتمع من هذه المؤسسات التجارية يتركز في زيادة الثروات وتوظيف العاملين. لذلك فهو لا يؤمن بوجود الأنشطة الخيرية Charitable Activities ، أو المسؤوليات الأخلاقية Moral Responsibilities كجزء من أهداف إقامة المشاريع التجارية.
بالطبع فإن هذه النظرة التي تبناها Friedman نظرة غير صحيحة، وخالفها العديد من الباحثين، وظهر في ضوئها العديد من النظريات والمدارس التي تدعو إلى خلاف هذا المفهوم. ويمكن تحديد أسباب Friedman في ذلك كما ذكرهاDusuki، 2005:
- المسؤوليات الأخلاقية يجب أن تخصص للأفراد، وليس للمؤسسات التي تعد مستقلة عن الأفراد، والأفراد هنا يقصد بهم الإدارة التنفيذية أو أعضاء مجلس الإدارة.
- مسؤولية إدارة المنشأة التجارية تتركز في خدمة مصالح المساهمين، وتعظيم أرباحهم وليس منح هذه الأرباح أو جزء منها من خلال الأنشطة الخيرية.
- القضايا الاجتماعية هي مسؤولية الحكومة وليست من ضمن اختصاصات الهيئة الإدارية في الشركة، نظرا لأنهم غير مدربين لتحقيق الأهداف الاجتماعية وغير منتخبين لتمثيل الشعب.
بالتأكيد هذه النظرة تخالف نظريات عديدة قامت عليها المسؤولية الاجتماعية للشركات وتطورت من خلالها ومن أهمها، نظرية الفئات المستفيدة Stakeholders Theory ، كما أنها تتعارض مع تعاليم ومقاصد الشريعة الإسلامية، لكن ذكرت هنا لسببين الأول: أنها كانت من أوائل من كتب لمناقشة تطور الشركات، والآخر أن كثيرا من منشآتنا التجارية ما زالت تحاكي هذا المفهوم، دون وعي بحقوق المجتمع المحيط.
مما سبق، يمكن القول إن التطور في أدبيات مسؤولية الشركات تركز على نوعين من المسؤولية لدى الشركات، الأول: المسؤولية الاقتصادية The Economic Responsibilities ، والآخر: المسؤولية الاجتماعية The Social Responsibilities. النوع الأول غني عن التعريف وهو الدافع الرئيس من نشوء الشركات، أما النوع الآخر فهو مجال البحث والدراسة ويرتبط بالعديد من المحددات التي قد تؤثر أو تتأثر به. ووفقا لتطور نشاط الشركات واعتماد العديد من الدول على النشاط الاقتصادي الحر في دعم وتحقيق الاستدامة لمجتمعاتها، أصبحت هذه المنشآت التجارية مطالبة بتحقيق الاستقرار والنماء للمجتمع الذي تعيش فيه بجانب أهدافها الربحية الأخرى.
من أجل ذلك، أرى أن العديد من الأسئلة والاستفسارات يجب أن تناقش بواسطة المستثمرين والتجار أنفسهم، كما أنها تتيح الفرصة للباحثين لدخول في أعماق هذا العلم واستكشافه، منها:
- لماذا ينتظر بعض التجار الحكومة لدعم منتج أو خدمة؟
- أين تذهب نسبة أرباح هؤلاء التجار بعد استقطاع الزكاة، وهل نقارن أرباح شركاتنا بأرباح شركات دول العالم التي تدفع ضرائب عالية مقابل استثمارها في تلك الدول؟
- ما الدور الذي يقوم به المشروع تجاه المجتمع، علاوة علي تعظيم الأرباح وتوظيف العاملين؟
- كيف ينظر الدين الإسلامي لمسألة ربح المشروع، مع إيقاع الضرر بأطراف أخرى؟ ''يتبع''.