لصناعة القرار أصول.. فهل تحقق من اتباعها كل مسؤول؟

مع بداية الدراسة الجامعية وفي كليات العلوم الإدارية والهندسة يتم تخصيص مقرر أو اثنين عن كيفية صنع القرار واتخاذه ومتطلباته ليصدر منظما لعملية أو معالجا لقضية أو ما إلى ذلك من أسباب لصدوره. في المكتبات العامة والوطنية والمتخصصة نجد كتبا ومراجع ومختلف المصادر المعلوماتية عن هذا الموضوع، حيث يمكن لنا أن نتتبع بدء الكتابة والتأليف عن الموضوع مصحوبا بأدلة من القرآن الكريم ومراجع تعود لعقود طويلة مضت. بجانب ذلك تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة يوميا بالمناقشة المباشرة أو بضرب الأمثال أو التنويه عنها والإشارة لها ومدى تأثيرها في الوضع الاقتصادي والاجتماعي ومن ثم الثقافي والصحي وغيرها. كما تخصصت قنوات فضائية لتعنى بشؤون اقتصادية وإدارية تثقيفية كانت أم إخبارية لتؤكد بكل السبل مدى فاعلية قرار من كارثيته. أما من ناحية التدريب فقد استخرجت تصاريح ورخص لمراكز أهم أنشطتها عقد مثل دورات لكل العاملين والراغبين في الاستزادة من العلم في هذا الشأن. بالطبع كل ذلك يركز على تفادي سوء الإعداد بالاكتمال والتكامل أو فتح الثغرات عند التنفيذ فيكون التأخر والتباطؤ اللذان يقودان للتخلف، وزرع الشحناء بين المؤسسات والأفراد فتضيع لحمة المجتمع وتصبح النظرة مصالح وفرصا. لقد توارث المجتمع عبارة ''لكل شيء أصول يجب اتباعها''، فهل نتبع الأصول في إعداد ونشر وتنفيذ القرارات وبالذات المهمة والمصيرية منها؟
من المعروف أن باكتساب الخبرة تزداد القدرة على إصدار القرارات بشكل أفضل إلا أن الواقع يدل على أننا نعيش فترة طموح عارم نستعجل فيه الوصول للقمة وسط عالم خلط أوراقه ولم يبق سوى الأمل فنسرع الخطى من دون جاهزية وفهم تام لأطر المشكلة. على صعيد آخر ليس من العيب أن نخطئ ولكن العيب كله في تكرار الخطأ أو الوقوف حيارى في تفسير فقرة أو تغطية مادة أو تحديد مسؤوليات أو تأجيل كتابة اللوائح بعد إصدار القرار. قد يقول البعض إن إصدار القرار أفضل من عدم إصداره لأنه يحرك ساكنا، ويوضح غامضا، ويوجد قانونا أو حكما وتتشارك جميع الفئات في النظر للقضية. الإجابة هنا: هل ضمنا (1) عدم فردية القرار، أو (2) منهجية جمع المعلومات في مراحلها المختلفة وتفادي العشوائية، (3) تنفيذ القرار من قبل الجهات ذات العلاقة والتي تنحصر بينها مسؤولية التنفيذ ولا تتنصل أي منها في أي جزئية من القرار، (4) اجتماع أهل الاختصاص والخبرة معا ليوفوا الموضوع حقه من الدراسة والتحليل قبل إصداره، أو هل حسبنا، (5) لضعف إمكانات جهاز المتابعة بغرض توصيف طريقة التطوير المستقبلي، و(6) تفادينا إبراز مشكلة ليست بذات أهمية أو أولوية خلال الخطط الخمسية الحالية؟
لوضع القضية في إطارها الصحيح في هذه المرحلة المزدهرة من عمر المملكة، نأمل أن ينسق لمؤتمر يعقد بعد موسم حج هذا العام أو مع بداية العام المقبل (2012) يحصر نتائج تعثر القرارات غير المكتملة البناء أو غير الصائبة أو المتسرعة في إخراجها لتبين هذه الدراسات مدى تأثيرها في نمو وتنمية الأوطان عموما أو في كثير من المجالات المؤثرة على المستوى الخليجي أو المحلي. وإذا ما حاكينا فسنصل إلى أن مثل هذه الأمور تقود إلى مسائل قانونية وقضايا تتأجل بسبب وغير سبب، ومشاكل إدارية تعطل التوظيف وتوقف الصرف وتؤخر المعاملات، وتكاليف مالية وحرج شخصي ووظيفي يؤدي إلى تحويل الشؤون العامة إلى شخصية ومن ثم تنعدم كفاءة أي هيكلة إدارية ونبدأ في تناول مشكلة قد لا تكون ذات أولوية. من ناحية أخرى أي تعديل تال أو تصحيح عاجل عادة ما يعني إنفاق ما لم يكن في الحسبان، فتكون مصروفات ما أنزل الله بها من سلطان. وجهود تبذل من آن لآن فتأخذ حيزا من نصيب ظرف آخر في مكان أو زمان.
هنا اقترح على وسائل الإعلام المختلفة دراسة هذه القضية تحت إشراف الأكاديميين في الجامعات لتحديد حجم المشكلة وحصر آثارها (في القطاعين العام والخاص) ومدى التأثير في المجتمع والخدمات المقدمة له. الفوائد جمة والإعلام سيكون المستفيد الأول من مثل هذه الدراسات فهو سيقنن خططه المستقبلية، وستكون متابعته مبنية على أرقام وإحصائيات حقيقية. أما الأكاديميون فهم يسعون لإثراء معارفهم وسيتعاونون مع الإعلام لتثقيف المجتمع والأمة عامة. بالنسبة للمؤسسات كافة فمثلها مثل الأفراد في جميع مواقعهم بمسؤولياتهم المختلفة سيقفون كَيَدٍ واحدة تبني لهذا الوطن الكريم قمته وسؤدده في وقت سادت المشاحنات والفُرقة الكثير من دول العالم. لا نريد أن نحسب على تسارع التنمية سرعة إصدار القرارات غير المكتملة لئلا تصبح طريقها شائكة فنتساوى مع من تعثر وتأخر وتخلف. ولا نريد أن نكون متشائمين من كل قرار يصدر لأن التفاؤل والأمانة أساس لنجاحات تحققت من قبل ونريد استدامتها في هذا الوطن الكريم، والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي