رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


وزير العمل والقرارات الحاسمة لمعالجة البطالة النسائية

في خطوة رائدة وصلني خطاب من وزير العمل المهندس عادل بن محمد فقيه يعرض فيه مشكوراً ما اتخذته وزارة العمل من قرارات تمس شريحة النساء تنفيذاً للأوامر السامية الكريمة لخادم الحرمين الشريفين، وهي ثلاثة قرارات وزارية، الأول يتعلق بتنظيم عمل المرأة في محال بيع المستلزمات النسائية، بينما يتعلق الثاني بآلية احتساب عمل المرأة عن بعد في نسب توطين الوظائف (السعودة)، فيما يتعلق الثالث باشتراطات تـوظيـف النـساء في المصانع.
ودون الخوض في تفاصيل هذه القرارات وفيما إذا كانت صائبة 100 في المائة أو دون ذلك وما تحتاج إليه من متطلبات لتأخذ طريقها للتنفيذ على أكمل وجه لتحقق أهدافها في تحقيق أماني مئات الآلاف من بناتنا اللاتي يتطلعن إلى الحصول على فرصة عمل تحقق ذاتهن وتعزز مستوى معيشتهن وأسرهن وتمكنهن من إطلاق طاقاتهن التنفيذية والإبداعية بعد سنوات الدراسة الطويلة. أقول إنها قرارات في الاتجاه السليم من جهة توسيع فرص العمل المتاحة للنساء السعوديات اللاتي بات الكثير منهن يعملن في وظائف لا تتجاوز رواتبها راتب خادمة يتحمل كفيلها كافة تكاليف معيشتها من مسكن ومأكل وملبس وعلاج.
نعم، وعلى سبيل المثال، والأمثلة والقصص كثيرة أحد الأصدقاء تعمل ابنته في مدرسة خاصة براتب 1500 ريال بعد دراسة امتدت 16 سنة في حين تعمل لديه خادمة إفريقية متوسطة التعليم لرعاية والدته المسنة براتب 1800 ريال وتطالب بزيادة الراتب لأنه غير مجز لها رغم تحمله مصروفاتها كافة، يعني 1800 ريال صافي توفير، ولست هنا بصدد مناقشة ارتفاع رواتب الخدم، بل بصدد مقارنة رواتب الخدم منخفضي التعليم مع المواطنات عاليات التعليم.
بكل تأكيد ديننا الإسلامي الحنيف لا يقف عائقا أمام عمل المرأة وتمكينها من الكسب الشريف، الذي يعفها ويحفظ كرامتها ويعزز مستوى معيشتها ومعيشة أسرتها، بل على العكس تماماً فديننا الإسلامي وضع الحلول - ولم يقل بالمنع - لتيسير الحياة في إطار قيم سامية ومفاهيم سليمة معززة للحياة الكريمة الهانئة، وهو ما راعته قرارات وزير العمل في اشتراطات ومحظورات توظيف النساء في محال المستلزمات النسائية بتأنيث، والوظائف الصناعية المناسبة للمرأة.
لسنا أمام أرقام دقيقة للبطالة النسائية، لكن هناك دلائل وأرقام تصدر هنا وهناك بأنها تفوق نسبة الـ 30 في المائة، وهو رقم أقل مما هو متوقع إذا علمنا أن فرص تعليم البنات مساوية تماماً لفرص تعليم الأولاد، وأنه حال تخرج الأولاد فإن كل الفرص الوظيفية متاحة أمامهم، ورغم ذلك يعانون البطالة، في حين أن فرص العمل أمام النساء ضيقة جداً لا يمكن أن تستوعب مخرجات الثانوية والجامعة والمعاهد بحال من الأحوال، بل إنني لا أتصور أن تستوعب نصف هذا العدد.
غياب الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى للتعامل مع قضايا توظيف الموارد البشرية من الجنسين جعل عملية توظيف النساء في المملكة ومعالجة نسب البطالة الكبيرة تسير وفق خطط آنية على طريقة "طقها والحقها" حتى تفاقمت المشكلة بشكل كبير ينذر بمخاطر كبيرة في الأبعاد الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأمنية، ولا شك أن ذلك يورط الدولة رغم ما تبذله من جهود وما توفره من موازنات، الأمر الذي يدفعها لقرارات حاسمة تخرجها من هذه الورطة، وهو ما حصل فعلاَ، حيث ضربت هذه القرارات، كما أشرت في مقالة سابقة، هامة البيروقراطية والروتين والتراخي والكسل والتسويف المولد للمشكلات من ناحية والمفاقم لها من ناحية أخرى.
القرارات الحاسمة بقدر ما هي مفرحة لأصحاب القضية وأفراد المجتمع لما تقدمه من حلول على المدى القصير فإنها مقلقة لأصحاب الأعمال من جهة لما قد يلحق بهم من ضرر نتيجة سرعة اتخاذ هذه القرارات وعدم دراسة كل جوانبها ومتغيراتها وآثارها عبر خط الزمن بدقة، كما أنها مقلقة للنخب الاقتصادية من جهة أخرى، لما للبعد الأمني من ثقل في هذه القرارات، وهو متغير يقلل من جودة القرار كلما زاد وزنه النوعي في أي قرار ذي بعد اقتصادي.
ورغم ذلك ومما نص عليه القرار الوزاري رقم 1/1/2475/ع وتاريخ 10/8/1432هـ بشأن اشتراطات تـوظيف النـساء في المصانع بشأن الموافقة على الخطة التفصيلية والجدول الزمني للحلول العاجلة قصيرة المدى والحلول المستقبلية لمعالجة تزايد أعداد خريجي الجامعات فإن الأمل كبير بأن تزيل وزارة العمل هذا القلق، حيث تشير صياغة هذه القرارات الحاسمة إلى أنها قرارات قصيرة المدى، وأن الوزارة ستقدم حلولا مستقبلية مدروسة بدقة بسرعة مناسبة تزيل قلق كل المعنيين بهذه القرارات من مستثمرين وطالبات للعمل وأفراد المجتمع - بإذن الله.
لكن، وبما أن الأمر قد آل إلى ما آل إليه من قرارات حاسمة بعد طول تسويف في توسيع الفرص الوظيفية للمرأة السعودية وصدور قرارات وتراجع عنها، فإننا نشد على يد وزير العمل ونتمنى عليه أن يدعمها بحملة إعلامية تحمل رسائل توعوية تثقيفية لكل من المستثمرين وطالبات العمل وأفراد المجتمع والقوى الفاعلة والمؤثرة كل على حدة في سبيل دعم هذه القرارات وإزالة عوائق تنفيذها بالصورة المثلى المستهدفة من ناحية، وفي سبيل التكامل لتطوير حلول أخرى فاعلة وذات كفاءة عالية على المديين المتوسط والبعيد.
ختاما أرجو أن تتصدى الأجهزة الحكومية كافة للقضايا التي تقع في نطاق مهامها وهي في فسحة من الوقت بخطط استراتيجية تستند إلى دراسات علمية دقيقة وحديثة وشاملة وإلى تجارب إقليمية ودولية ناجحة وإلى مستشارين ذوي باع طويل في هذه القضايا قبل أن تضطر إلى العمل تحت وطأة الظروف بقرارات حاسمة تفرح أطرافاً وتقلق أخرى لجهة سرعة اتخاذها، ولجهة عدم احترام الأوزان النوعية لمتغيراتها بمنطقية علمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي