الإعلام الاجتماعي وحملة فعالة لتحقيق مقاصد شهر رمضان
يقول الأطباء العاملون في قسم الإسعاف إن فترة ما بعد الفطور هي الفترة التي يشتد فيها الزحام على قسم الإسعاف، حيث تتفاقم حالات مرضى السكر والضغط وكبار السن وغيرهم بعد الإسراف في الطعام والشراب عند الإفطار رغم التحذيرات، ويؤكد بعضهم أن بعض الحالات تتفاقم إلى حالات خطرة جدًا، يوافي بعضها الأجل ومع الأسف الشديد.
وأقول إذا كان هذا حال كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، فحالة غيرهم ـــ خصوصًا الحالة الاقتصادية ـــ تدخل هي الأخرى في حالات إغماء نتيجة الإسراف في شراء الأطعمة والمشروبات في شهر رمضان المبارك الذي من المفترض أن يكون شهر عبادة روحانية تسمو بالنفس والمجتمع، وذلك لالتهامها بنهم بعد الفطور مباشرة ومنتصف الليل وقبل آذان الفجر، نعم الكثير من أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة يعانون اقتصاديًا أشد معاناة في شهر رمضان وبعده العيد لارتفاع المصاريف بشكل كبير غير مألوف ومعتاد.
هذا حال معظمنا في شهر رمضان، حيث ظاهرة الإسراف في الطعام والشراب والكسل، بل الإسراف في التدخين أيضًا، وهو بخلاف مقاصد الصيام من الناحية الصحية، كما جاء عن الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: ''صوموا تصحوا''، وقد بينت الدراسات العلمية أن الأفراد الذين يتناولون طعامهم في شهر رمضان باعتدال وحسن اختيار تتحسن لديهم العديد من العلل، حيث تنخفض لديهم نسبة الكوليسترول والدهون عامة والسكر في الدم، إضافة إلى إراحة الجهاز الهضمي، وتحسن في العديد من الجوانب الصحية.
ولقد ثبت لدى جميع العلماء الذين عملوا في هذا المجال أن الصوم هو فترة راحة فسيولوجية لأعضاء الجسم وإعطاء الفرصة لأجهزة الإخراج كي تخلص الجسم من السموم المتراكمة داخله بكفاءة عالية، والأطباء يعلمون أن جسم الإنسان يتعرض لمعدلات متفاوتة من السمية وبشكل يومي من البيئة المحيطة المليئة بالسموم عن طريق الاستنشاق أو اللمس أو الأكل، حيث المواد المضافة للأغذية كالمواد الحافظة والألوان الغذائية والمنكهات ومضادات الأكسدة ومنشطات النمو والمخصبات والمبيدات الحشرية وغيرها.
إذن؛ نحن أمام ظاهرة مخالفة لمقاصد شهر رمضان، فبدل إراحة الجسم من الأطعمة الزائدة وتخليصه من السموم ضاعفنا كميات الأطعمة والمشروبات مع التقليل من الحركة، حيث النوم طوال النهار والأكل والراحة طوال الليل، وهي ظاهرة مكلفة في جميع الأبعاد على مستوى الفرد، والمجتمع، والوطن، نعم هناك تكافل اجتماعي أكبر في شهر رمضان، ولكنه في توفير الأطعمة أيضا للمحتاجين والفقراء والعمالة في المساجد، حيث تكثر مشاريع إفطار الصائم طمعًا في الحصول على أجر صيامهم، وهو أمر لا بأس به، ولكن بكل تأكيد نحن في حاجة إلى مشاريع موازية لاستثمار رغبة المحسنين في هذا الشهر تعالج المشاكل المجتمعية الرئيسة مثل البطالة، والفقر، والطلاق والعنوسة، ودمج المعاقين مجتمعيًا، وتوفير الدعم المالي لمراكز الأبحاث وغير ذلك من القضايا المهمة والحيوية. نحن
أيضًا أمام ظاهرة كسل شديد ينعكس على العمل في الأجهزة الحكومية، فشهر العبادة تحول إلى شهر الكسل والتسويف والتأجيل والغضب، وكلنا يعلم أن المعاملة وإنجاز مصالح الناس بيسر وبروح فرحة مبتسمة ودون تعطيل من أفضل صور العبادات، والله يجري عليها خير الجزاء، وأود أن أشير هنا إلى ظاهرة أصبحت جزءًا من ثقافتنا في المملكة، وهي أن شهر رمضان شهر ميت، وعلينا تأجيل أعمالنا خارج نطاق الأكل والاستهلاك المسرف بعد انتهاء هذا الشهر، رغم أننا دائما ما نفتخر بأن معظم غزوات الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ والفتوحات كانت في شهر رمضان.
ما زاد الطين بلة تركيز المحطات الفضائية على شهر رمضان لإنتاج المسلسلات وعرضها طوال الليل للترفيه عن الصائم النائم طوال النهار، ما يجعل الأغلبية تتمدد أمام التلفزيونات لمشاهدة الكم الهائل والمتتالي من المسلسلات والمسابقات وغيرهما وهم يلتهمون الأطعمة والأشربة لتكون محصلة الشهر زيادة في أمراض الضغط والسكر والسمنة وتفاقم في الحالات القائمة إلى ما هو أخطر.
والسؤال: من ينقذ المجتمع من تحوله عن مقاصد شهر رمضان الذي بات شهرًا يؤرق الكثير بدل أن يسعدهم؟ وبات شهرًا لزيادة المرضى وتفاقم الحالات المرضية وزيادة الأوزان بدل انخفاضها، أعتقد أن نداءات سابقة للمعنيين بهذه السلوكيات ومنهم وزارة الشؤون الإسلامية، ووزارة الصحة، ووزارة التجارة، ووزارة الإعلام ذهبت أدراج الرياح ولم تأتِ بالثمار المطلوبة، وإن ساهمت كجهود منفردة هنا وهناك في ترسيخ شيء من الوعي، ولكنه غير فاعل بكل تأكيد، وإلا لما رأينا هذا التزاحم الشديد على مراكز وأسواق المواد الغذائية، وكأننا مقبلون على مجاعة، ولما رأينا هذا الموقف السلبي من العمل والإنتاجية في شهر رمضان، ولما رأينا هذا الكم الهائل من الأعمال الفنية المتزاحمة في شهر رمضان دون غيره.
يقول الضالعون في العلم بالعالم الافتراضي إنه يتيح فرصًا لتحقيق أهداف كبرى بتكاليف قليلة وفي أوقات قياسية لم تكن في الخيال سابقًا لما له من قدرة على النفاذية العالية للوصول للشرائح المستهدفة، وما له من مصداقية كبيرة لدى مستخدميه الذين يستهلكون محتواه كما ينتجونه جنبًا إلى جنب، ويقول هؤلاء أيضًا: إن قلة قليلة من الشباب يمكن أن ينشؤوا موقعًا توعويًا تفاعليًا جذابًا وفعالاً يجذب الشرائح المستهدفة، ويعيد تشكيل وعيها بسرعة كبيرة، ومن ثم التأثير الإيجابي في مواقفها وسلوكياتها، والأمل معقود على الشباب السعودي الضليعين في عالم الإعلام الاجتماعي أن يطلقوا موقعًا، ويستقطبوا الوزارات والهيئات والأفراد المعنيين للتوعية بمقاصد رمضان ومحاربة ظواهر رمضان السلبية التي أودت بمقاصده في وادٍ سحيق لعلنا نخرج من هذا المأزق ونريح أقسام الإسعاف بعد الفطور، ونحول شهر رمضان إلى شهر العمل لا الكسل، وننسى مقولة مقاضي رمضان التي أعتقد كما يعتقد الكثير أنها خدعة ابتكرها تاجر ذكي لاقتناص مستهلك غبي''.