هل نتعاون لإنجاح «نطاقات» بتحملنا التكلفة المصاحبة؟
أود في بادئ الأمر، أن أشيد ببرنامج نطاقات، الذي أطلقته وزارة العمل أخيرا، وهو البرنامج الذي يقيّم أداء المنشآت ويصنفها إلى نطاقات: ممتاز وأخضر وأصفر وأحمر، بحيث يكافئ النطاقين الأخضر والممتاز الأعلى توطينا ويتعامل بحزم مع الأحمر الأقل توطيناً ويعطي مهلة أطول للمنشآت في النطاق الأصفر، فيصبح بذلك توطين الوظائف ميزة جديدة تسعى إليها المنشآت للتميز والتنافس.
يعتبر هذا البرنامج من البرامج المميزة والمنصفة وذات الشفافية، وعاملا رئيسا في توطين الوظائف، منذ إطلاق مشروع السعودة قبل 30 عاما تقريبا، خصوصا إذا علمنا أن معدلات البطالة في السعودية في ارتفاع، وهي تفوق 10 في المائة (إذا اتفقنا على صحة النسبة)، ومع ذلك تم إصدار أكثر من مليوني تأشيرة خلال العامين السابقين، ما أدى إلى امتعاض الباحثين عن العمل، حيث يوجد في السعودية اليوم أكثر من 6.5 مليون أجنبي يعملون في القطاع الخاص مقابل 700 ألف سعودي فقط، وفي الوقت نفسه يدعي القطاع الخاص أن قلة عدد التأشيرات تؤثر سلبا في عجلة الاقتصاد وتؤخر تنفيذ مشاريع البنية الأساسية.
ما وددت الوصول إليه هو ضرورة وأهمية تكاتف الجهود في جميع القطاعات سواء الحكومية أو الخاصة، لإنجاح هذا البرنامج المميز، وعودة الفائدة إلى الشباب السعودي الذين هم أبناؤنا في نهاية المطاف، فمن المهم أن يعي القطاع الخاص أهمية هذا البرنامج وما يسهم فيه من زيادة نسبة السعودة في الشركات والمؤسسات، إضافة إلى تصنيفه المنشآت بطريقة محفزة ومشجعة، بحيث اعتبر الأغلبية من المنشآت محققة لمعدلات توطين جيدة، ورمز لهم بالأخضر أو الممتاز، واعتبر الأقلية من المنشآت مقصرة في التوطين ورمز لهم بالأحمر بحيث لا يتجاوز النطاق الأحمر خُمس عدد المنشآت، وبين الأخضر والأحمر منشآت تقع في النطاق الأصفر حققت نسب توطين متوسطة، أعطاها البرنامج حزمة أقل من الخدمات ومهلة للتعديل، كما ستقوم وزارة العمل من خلال البرنامج بدعم المنشآت في النطاقين الممتاز والأخضر، التي لديها الرغبة في توظيف سعوديين عبر إعطائهم أحقية إصدار تأشيرات جديدة لتنمية أعمالهم، كما تعطيهم القدرة على التعاقد مع العمالة الوافدة من منشآت النطاقين الأحمر والأصفر الموجودة داخل سوق العمل والاستفادة من خبرتها ووجودها.. هذه المرونة ستمنح المنشآت التي حققت معدلات توطين عالية فرصة الحصول على العمالة الوافدة دون الحاجة إلى تأشيرات جديدة، ما يساعد على الترشيد في استقدام عمالة وافدة إضافية، وفي المقابل تدفع المنشآت في النطاقين الأحمر والأصفر إلى سرعة توطيـن وظائف أكثر للارتقاء للنطاق الأخضـر للمحافظة على العمالة الوافدة لديها .. وفي الجهة الأخرى يجب أن يكون هناك تقبل واستعداد لتحمل التكلفة من قبل وزارة المالية والشركات الكبرى من خلال تعويض أصحاب العقود الحالية وتعديل المناقصات المستقبلية آخذين في الاعتبار التكلفة المصاحبة لإنجاح برنامج نطاقات إلى جانب تقبل المواطنين الزيادة في الأسعار المصاحبة لتحويل البرنامج لواقع فعلي، فعلى سبيل المثال "الحديد" تكلفة نقله محددة من وزارة التجارة، وراتب السائق السعودي لن يقل عن خمسة آلاف ريال، بينما السائق الأجنبي راتبه ألفان بحد أعلى، ما سينعكس على سعر بيع الحديد، والأمر ينطبق على جميع السلع، فهي حلقة متصلة ومتواصلة فيما بينها: تاجر، مقاول، مواطن، وزارة، أو شركة كبرى، فمن المهم أن تتم دراسة هذا الجانب، وتحديد الجهة التي ستتحمل فروقات الأسعار، لكيلا ندخل في مجال آخر ونحن لا ندري، وهو التضخم.
من وجهة نظري أنه يجب علينا جميعا دعم وزير العمل في هذا البرنامج، وتحقيق تطلعات ولاة الأمر في زيادة نسبة السعودة، إضافة إلى تحقيق تطلعات شبابنا السعودي الذي أكاد أجزم أن السواد الأعظم منهم على قدر كبير من المسؤولية والكفاءة متى ما أتيحت له الفرصة، لذلك يجب أن نتعاون جميعا ونتكاتف كل في مجاله كي نحقق هدفا نحلم منذ عقود بتحقيقه .. فمنذ 30 عاما ونحن نتحدث عن السعودة .. أما حان الوقت لنواجه الواقع، وتتقبل جميع الجهات ذات العلاقة تحمل مسؤوليتها واستعدادها لتحمل التكلفة بدءا من المواطن إلى وزارات الدولة كافة، وعلى رأسها وزارة المالية؟
ومن هذا المنبر الصادق، أقولها وبصراحة، إننا في السابق كثيرو الانتقاد لبعض الجهات الحكومية، ولم نجرب أن نضع أيدينا في أيديهم ونقف إلى جانبهم بدلا من انتقادهم، وإيجاد الحلول لهم، فنحن اليوم في وقت يحتم على القطاع الخاص العمل معا وجنبا إلى جنب مع القطاع الحكومي، مستندا في ذلك إلى وسائل وأسس علمية تحقق تطلعات ولاة الأمر - حفظهم الله - والجهات الحكومية ورجال الأعمال والمواطنين في جميع مناطق المملكة.. فلنحقق ذلك بتكاتفنا وتعاوننا.