المسؤولية الاجتماعية للشركات (SCR (3
تناولت في مقالات سابقة موضوع المسؤولية الاجتماعية للشركات، وأهدف من هذه المقالات إلى نشر سلسلة متكاملة لمناقشة المسؤولية الاجتماعية للشركات من نواح مختلفة، ارتباطها بالدين والثقافة، الممارسات القائمة في الدول المتقدمة وما توصلت إليه الأبحاث والدراسات العلمية الرصينة، المفاهيم والتطبيقات المحلية وكيفية توظيف هذه المفاهيم لمصلحة المجتمع المحيط ولتحقيق الأهداف التنموية. وحتى نستمر في مواكبة تطور الموضوع وإيصاله بأبسط الوسائل مدعما بالدراسات والتجارب الدولية ثم المحلية التي تحقق مفاهيم وأسس المسؤولية الاجتماعية CSR مع بيان أوجه الالتقاء والاختلاف مع الثقافة الإسلامية والتشريعات الدينية. هذا المقال سيخصص للإجابة والتعليق على استفسارات وردت على المقالات السابقة، حتى نسير باتجاه واحد.
في مقال المسؤولية الاجتماعية للشركات .. المصطلح التائه (العدد - 6449) يشير القارئ الأستاذ محمد إلى أن الشركات العاملة في المملكة تحاول استغلال مفهوم وتطبيقات المسؤولية الاجتماعية لتعظيم فوائدها دون النظر إلى كون هذه الممارسات صحيحة أو غير صحيحة، وتطرق إلى أن بعض الشركات تعتقد أن توظيف الشباب السعودي هو ممارسة لمفهوم CSR مع اعتراضه على ذلك، ويطالب أيضا بإيجاد تعريف دقيق لمفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات حتى نضيق الخناق على من يسعون إلى الاستفادة من التلاعب بالمصطلحات.
القارئ الأستاذ محمد الدوسري أيضا أشار إلى وجود استغلال سلبي للمفهوم الحديث في بيئتنا الاقتصادية حيث يوضح ''... أعتقد أنه قد يطبق أو طُبق جزء منها لكن لأهداف غير شريفة بالنسبة لما هي موضوعة له أو للأهداف المأمولة منها...''.
وهنا أتفق مع الأخوين الكريمين في وجوب إيجاد تعريف محدد من قبل الجهة المكلفة بهذا الشأن، وأعتقد أن موضوع المسؤولية الاجتماعية للشركات في المملكة قد شتت بين كل من وزارة التجارة وهيئة سوق المال كجهات رسمية، والغرف التجارية كجهات شبه مستقلة في غياب واضح للجهات التطوعية أو حتى التعليمية من جامعات ومراكز أبحاث في هذا المجال.
القارئ كامل حجازي تطرق إلى نقاط غاية في الأهمية في هذا الشأن بقوله: ''مسؤولية الشركات عن أفراد المجتمع ليس بتحويلهم إلى معدمين يتم التصدق عليهم، ولا بتحويلهم إلى عبيد يسددوا للشركات (المالية) ما يحرر رقابهم، لكنها تنحصر في مساعدة الفرد ليملك قوت يومه بالعمل وتوفيره له وتدريبه على تقنياته. عندما يتمتع الفرد بغذاء صحي وتعليم وتدريب وفرص عمل ودخل جيد سيكون مردود ذلك ليس على الشركات فقط، بل على الوطن، هو في اشتغال الفرد في تنميته والاستبسال في الدفاع عنه لأن الفرد يحب ألا يعتدى على مصالحه وعمله ومقدساته .بذلك تكون هناك مسؤولية متبادلة بين الشركات وأفراد المجتمع.
المسؤوليات متبادلة بين الشركات وأفراد المجتمع، بحيث لا نحمل الشركات مسؤوليات من طرف واحد، لكن مهما صرفت الشركات من أموال للقيام بمسؤولياتها نحو أفراد المجتمع، تجد مقابله ولاء أفراد المجتمع واستبسالهم في الدفاع عن الشركات طالما أن الشركات أنفقت على تعليم وتدريب وتوظيف الأفراد وتوفير الخدمات الراقية والغذاء الصحي لهم. المسؤوليات الاجتماعية تزيد من أواصر التعاون وتلاحم المجتمع أفرادا وشركات في تبادل المسؤوليات وحماية مصالح كل منهم، يسهر كل طرف على راحة ومصالح الآخر''.
انتهى كلام القارئ الكريم وهو يبرز دور الولاء المؤسسي الذي ستجنيه الشركات من اهتمامها بأفراد المجتمع، والذي تحتاج إليه الشركات بشدة في ظل دخول مستثمرين ومنتجات جديدة للسوق، فعندما تكون العلاقة بين الشركة والمجتمع مبنية على أساس تبادل منفعي ستحقق هذه المؤسسات ولاء يساعدها على مواجهة التغيرات المستقبلية.
القارئ مقداد يعيد مفاهيم وممارسات المسؤولية الاجتماعية للدين الإسلامي ولكتاب الله ـ عز وجل، حيث إنها أطرت لعلاقة التاجر بمجتمعه، وهذا ما ذكرناه في ذلك المقال، وصحيح أن ما جاء به العلم على مدى السنين الماضية لم يكن شيئا جديدا فقد رعى الدين الإسلامي حقوق كل الأطراف، وشجع على التكافل الاجتماعي وعلى حماية البيئة وعدم الإضرار بما ينفع الناس.
في المقال الثاني ''المسؤولية الاجتماعية للشركات التعريف العلمي'' (لعدد، 6456) يركز الزميل الكاتب سعيد القرني على الالتباس في المفهوم بين المسؤولية الاجتماعية وبين العمل الخيري، كما أشرنا في التعريفات الواردة في المقال وطالب الشركات بأن ''تراعي البيئة والمجتمع من الآثار السيئة لعملياتها الصناعية في المقام الأول وعدم استغلال الموارد بشكل سلبي يخدمها فقط، وهذه أمور تعتبر واجبة وليست نافلة''.
في حين بدأ القارئ يحيى مخالفا رؤية الاشتباه بين المصطلحين في التطبيق، حيث يشير إلى ''اتخذت المسؤولية الاجتماعية والبيئية تعاريف عدة، شخصيا لا أرى أنها تتشارك أبدا مع مفهوم العمل الخيري، بل هو فهم خاطئ للمسؤولية الاجتماعية البيئية أو محاولة لاستغلال هذا المفهوم لمصلحة الشركة. ومن ضمن التعريفات هنالك تعريف البنك الدولي وتعريف الاتحاد الأوروبي وغيرهما، أعتقد أنه ما زال المجتمع في حاجة إلى تعميق هذا المفهوم عن طريق إيجاد كادر ليس تنظيميا إداريا وليس خاصا بالشركات كذلك، بل كادر تشريعي قانوني يضمن الحد الأدنى من قوانين الحوكمة - البيئة - العمل. باعتبار الشركة جزءا من منظومة المتجمع المدني''، وهنا أتفق مع القارئ الكريم في ضرورة صدور تشريعات ملزمة للشركات وفقا لالتزامها بمبادئ وممارسات المسؤولية الاجتماعية، وأن توجد جهة مستقلة لتقرير مدى التزام ومساهمة شركات القطاع الخاص في هذا الشأن، حتى يتم إشهار هذه الممارسات أمام المجتمع، الذي بدوره يتحرك في إطار مصلحته العامة.
القارئ أبو حمزة حاول أن يختصر لنا المسافة بالرجوع إلى المفاهيم الحديثة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، خصوصا ما يتعلق بالمواصفة الإرشادية ISO 26000 حول المسؤولية الاجتماعية. التطورات الحديثة لموضوع المسؤولية الاجتماعية تعتمد على دراسات وتطورات نشأت منذ بدء مفهوم الشركات العاملة في القرن الماضي، وفي الدراسات الأكاديمية لا يعتد بالدراسات ما لم تعتمد على التطور النقاشي الزمني. أما ما يتعلق بالمواصفات الاسترشادية ISO 26000 حول المسؤولية الاجتماعية، فلم تظهر إلا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، وهي دليل إرشادي لتطبيق مبادئ المسؤولية الاجتماعية، كما تهدف إلى دمج ممارسات المسؤولية الاجتماعية ضمن الخطط الاستراتيجية والأنظمة والممارسات والعمليات للشركات.
أعتقد أن هذه المواصفة القياسية لن تكون ذات أثر في العلاقة بين الشركة والمجتمع في مجتمعنا، لأنه يمكن استغلالها بشكل غير صحيح، وستكون هذه المواصفة أحد مكونات المقالات القادمة، وسترى أن المبادئ التسعة التي قامت عليها اعتمد في بنائها على الأدبيات المنشورة في الكتب والدراسات السابقة. يتبع.