التأمين واستغلال العقود الخفية

قد يستغرب البعض سبب اختيار هذا العنوان، والذي هو في الحقيقة اجتهاد شخصي مني ومحاولة للكشف عن بعض أنواع التأمين التي قد لا نلحظ وجودها في حين أنها تتغلغل في تعاملاتنا المالية اليومية وتكون جزءاً لا يتجزأ منها. وهذه الأنواع الخفية من التأمين نكون نحن ـ في الغالب ـ المقصودين بها، حتى أننا ندفع الكُلفة المترتبة عليها دون أن نعلم أو حتى نعرف الدافع الذي أدى إلى وجودها أو ما إذا كان لنا فيها حقوق أم لا! وقد يصل الأمر إلى أن العائد من هذه العقود الخفيّة يذهب إلى مصلحة شخص آخر ويستأثر بها، بل ويطالبنا بما يفترض أن هذه العقود الخفية قد كفته عناء الحصول على المال منا.
تخيل أخي القارئ الكريم أنك حينما تحصل مثلاً على تذكرة طيران فإن التأمين يتغلغل في هذه التذكرة ويصبح أحد مكونات عقد النقل الأساسية وتحصل بموجبه شركة الطيران على تغطيات مجزية تكون أنت المقصود منها، ولعل أبسطها أنه حينما تتأخر الرحلة تكون لك حقوق معينة، وأقل القليل منها الحصول على وجبة سريعة أو كأس عصير طازج، فالتي تتعهد في الغالب تكاليف تغطية هذه الحوادث البسيطة هي شركات التأمين، وليس كرماً من الناقل الجوي أو من موظفيه كما يعتقد البعض أو كما يسوّق لذلك موظفو هذا الناقل أو ذاك.
وتخيل معي أخي الكريم لو أنك طلبت شراء سلعة ما عبر البريد فجاءتك هذه السلعة منقوصة أو متضررة، فإن البائع الحصيف سيقدم إليك وبدون مشاكسة اعتذاراته الرقيقة، بل وقد يعيد إليك المبلغ الذي دفعته مع إرسال سلعة بديلة إليك مجاناً، وقد تستغرب حينها من هذا الكرم الحاتمي، ولكن ينبغي لك أن تتوقع أن هناك تأمينا خفيا يغطي مخاطر النقل والأضرار التي تحصل للسلعة أثناء إرسالها إلى المستفيد، وستعلم حينها أنك دفعت ضمن مبلغ الشراء قسطاً لهذا التأمين الخفي، وأنّ تصرف البائع لا يعدو عن كونه تعويضاً دفعته له شركة التأمين، ثم قام بنقله لك بكل أمانة ليكسبك كزبون، ولا تستغرب أن يكون هذا الأمر ساري المفعول حتى بالنسبة للوجبات السريعة التي تطلب إيصالها إلى بيتك أو مكان عملك.
ولا تستغرب كذلك حينما تسمع من صديق لك أنه حينما تقدم إلى البنك للحصول على قرض مصرفي قال له موظف البنك إنه في حالة الوفاة ـ لا سمح الله ـ لا تتم مطالبة الورثة بسداد الأقساط، فبعض المقترضين يعتقد أن البنك (يسامح) ورثة العميل المقترض في سداد بقية الأقساط كرماً منه وتقديرا لظروف الورثة، بينما الأمر هو غير ذلك تماماً، فالبنك قبل أن يصرف مبلغ القرض للعميل يقوم بإبرام وثيقة تأمين على حياة هذا العميل، أي تأمين ضد الوفاة فهو يهدف إلى استرداد حقوقه عن طريق هذا التأمين، وبالتالي فإن شركة التأمين هي التي تسدد القرض للبنك من دون أن يدري العميل أنه قد دفع كُلفة هذا التأمين عن طريق العمولات التي يتحملها نتيجة حصوله على هذا القرض. فبوجود هذا التأمين سيحصل البنك على المبلغ كاملاً، بل ومن مصلحة هذا البنك ـ والعياذ بالله ـ لو أن عميله مات منذ لحظة خروجه من البنك.
الإشكالية الحقيقيّة هي في استغلال البعض لهذه العقود الخفيّة ليحقق من خلالها كسباً غير مشروع واستغلالاً كذلك للعميل، وذلك كما تفعل بعض مكاتب تأجير السيارات لدينا، فحينما يحصل حادث سير يقوم مكتب التأجير باختلاق الأعذار ليجبر المستأجر على دفع تكاليف إصلاح السيارة المستأجرة على أساس أن السيارة غير مغطاة تأمينياً، أو على أساس أن الحادث الذي اقترفه المستأجر غير مغطى، ثم يقوم المؤجر بمطالبة شركة التأمين بدفع كلفة الإصلاح باعتبار أن الحادث مغطى تأمينياً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي