زهرة تذبل.. برغم القرارات الداعمة لتوظيف المرأة
يُعاني قطاع التوظيف النسائي شحا كبيرا في توافر الفرصة الملائمة لتوظيف النساء. فتوظيفهن في بلادنا يخضع لعديد من المحددات ما أنزل الله بها من سلطان، من أعراف اجتماعية، وعقبات مؤسسية أو حتى توافر لأبسط مقومات العمل. لذلك تكاد تكون فرص العمل النسائية محصورة ومحدودة لدرجة يسهل حفظها اسما، ويصعب الحصول على فرصة فيها عملاً. أصبح التعليم هو المتنفس الوحيد لبناتنا، فحصدن أعلى الدرجات، ووصلنا إلى نقطة اللاعودة من حيث تأهيلهن ورغبتهن في سد حاجة البلد من الفرص الوظيفية التي ينالها أنصاف المؤهلين والمؤهلات من بلاد شتى. الدولة تحرص على توسيع قاعدة التوظيف، ولكن معوقات أخرى تقف في وجه أي توسع محتمل. سنتحدث هنا عن نوعين من الفرص التي دعمتها الحكومة.
الفرصة الأولى هي دعم وظائف التعليم في القطاع الأهلي، من خلال رفع رواتب المعلمات في المدارس الأهلية. وهنا أحب أن أسأل المسؤول: هل يملك نسبة تتحدث عن سعودة الوظائف التعليمية في القطاع الأهلي؟ فمن واقع التجربة أن عديدا من المدارس الأهلية أصبحت تكتظ بالموظفات السعوديات وأن هذا القرار لن يسهم في خلق فرص عمل جديدة، بل قد يساء فهمه كبقية قرارات مؤسساتنا الحكومية، ليقتنصه المالك الباحث عن الربح المادي كذريعة يرفع بها الأسعار، ولترتفع معها سلسلة طويلة من أسعار المواد والخدمات المرتبطة وغير المرتبطة. تجربة عاصرتها في إحدى مدن المملكة، لا توجد وظيفة متاحة في القطاع التدريسي الأهلي، حتى ولو دون راتب. كما أن المدارس الحكومية لا تقبل أو تتفهم أن تعطى الفرصة لخريجاتنا بالعمل لديها حتى ولو كن متطوعات، بينما تعاني بعض هذه المدارس من غياب أو عدم توافر بعض الموظفات لشغل بعض المراكز التدريسية.
الفرصة الثانية هي قرار توطين الوظائف لمحال بيع المستلزمات النسائية. حيث يتوقع أن يوطن هذا القرار نحو نصف مليون وظيفة أو أكثر. ولكن من تحدثوا عن هذا الرقم لم يتحدثوا عن الإمكانات المتوافرة والمعطلة لدى بناتنا. فالمستوى التعليمي، والعوامل الاجتماعية، ومكان الوجود والبنى الأساسية كلها عوامل تثبت أن هذا القرار سيزيدنا حملا من أحمال الاستقدام الممقوتة. كما أنه سيستغل مثل سابقه في رفع أسعار السلع والخدمات المرتبطة وغير المرتبطة.
مجموعة من الأسئلة تبحث عن إجابة في رأس أي قارئ، سأطرحها لعلي أجد لها الإجابة هنا. فتاة سعودية حاصلة علي بكالوريوس، (وهن الأغلبية) أو ماجستير أو دكتوراه (وقد رأينا مثل هذه الحالات)، هل يُعتقد أنها ستعمل بائعة في محل للملابس النسائية؟ فتاة سعودية تحلم أن تعمل في أي عمل شريف، هل سيسمح لها أهلها أو أبناؤها بأن تعمل من الساعة التاسعة صباحا إلى الساعة 11 ليلا في مكان عام؟ فتاة سعودية ترضي بأي عمل شريف، وأسرتها لا تمانع في بقائها في العمل لفترات طويلة ما دامت لا تحمل مسؤوليات أسرية، لكنها تعيش على حدود المدينة أو في قرية، هل ستتمكن من الإقامة في المدن الكبرى وحيدة، وكيف ستتنقل وليس لها وسيلة نقل؟
أيضا مجموعة من الأسئلة تطرأ عندما تلبس عمامة التاجر تتلخص في: تاجر ينفق مبالغ طائلة في تجهيز محل وتثبيت اسمه في السوق، هل سيكون مستعدا لتوظيف فتيات قد لا يستقر بهن الحال في هذه المهنة طويلا لأي سبب كان، وهل سيدفع لهن تأمينا شاملا يليق بفتاة من بلد غني مثل بلادنا؟ هل سيتمكن هذا التاجر من مراعاة عدم حدوث مشكلات في عملياته المتعاقبة بدءا من التخطيط والشراء والتسويق والعرض انتهاء بالجرد وإقفال الحسابات اليومية، أم أنه سيتحمل نفقات إضافية للرقابة، وقد يكون عرضة لمشكلات تحدث هنا وهناك بناء على رؤى احتسابية غير مستقرة؟ هل سيتمكن هذا التاجر من دفع رواتب تليق بمعيشة الفتاة السعودية، أم أنه سيبخسها حقها، وسيرفع قيمة سلعته متاجرا بالوطنية لتوظيفه الفتاة الوطنية؟
أتمنى ألا يفهم المقال على أنه رؤية تشاؤمية لمشروع قد تتوافر له فرص النجاح، ولكنها تساؤلات سيطرحها أو قد طرحها المجتمع والتجار، وتحتاج إلى بحث وتقص للخروج من مأزق الفشل. فمحاولة خلق الفرص الوظيفية يجب أن تبدأ على جميع الأصعدة وفي شتى المجالات.