الابتعاث.. تكريس الجودة

■ الملحقية الثقافية السعودية في واشنطن (خلية نحل).. هكذا يصفها الزائرون، وهي فعلا كذلك، وعدد المبتعثين مع العائلات والمرافقين يتجاوز الآن 65 ألفا، لذا ليس غريبا أن تصبح ورشة عمل يومية، ورغم أن عدد العاملين يتجاوز 400 موظف، إلا أن الإرشاد الطلابي يواجه ضغوطا كبيرة.. وهنا نخشى أن تتأثر (جودة المتابعة).
برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث مشروع وطني كبير وواجب علينا جميعا إنجاحه ودعمه، والجهود التي تبذلها وزارة التعليم العالي لإنجاح هذا المشروع كبيرة ومهمة وتتوسع كل يوم، والوزارة تطور تجربتها عبر الاستفادة من الأخطاء والملاحظات، ولا يمكن لتجربة كبيرة أن تمر دون أخطاء، ولكن المهم أن الوزارة تسعى لتعديل الأوضاع بسرعة حتى تعظم المكاسب من البرنامج، والدكتور خالد العنقري وزير التعليم العالي وقته معلق بين المطارات يحط من سفر إلى آخر يتابع عن كثب ويمضي الساعات في الحوار والتواصل مع الطلاب، ولديه نظرة رجل الدولة لتعظيم برنامج الابتعاث فقد أحسن كقيادي اختيار الرجال الذين لا يقلون عنه حماسة ورؤية، (هكذا ينجح القيادي).
من أبرز التعديلات المهمة التي أجرتها الوزارة تبني برامج التأمين الطبي الشامل على الطلاب وعائلاتهم، وهذا البرنامج قصة نجاح يجب أن تُروى، تذكر ليشكر القائمون عليها، وتدون للتاريخ أن الحكومة السعودية وبتعليمات وتوجيهات مباشرة من الملك عبد الله ـــ حفظه الله ـــ توفر أفضل تغطية طبية ممكنة لأبنائها في جميع أنحاء العــالم.. والطلاب فـــي أمريكا ـــ على سبيل المثال ـــ لديهم غطاء تأميني يصل إلى مليوني دولار وتتولى التغطية واحدة من كبريات شركات التأمين في أمريكا مما سهل خدمتهم ووضعهم في خانة مرضى الـ (VIP)!
في السابق، عانى الطلاب من التأمين الطبي رغم أن الدولة كانت تدفع الكثير جدا، لكن المنافع والتغطية التأمينية كانت أقرب إلى الارتجال والفوضى والتلاعب، أما الآن فليس الطلاب هم مَن استفاد واستراح، بل حتى عائلاتهم ومرافقوهم، وحسب الدكتور محمد العيسى الملحق الثقافي في أمريكا، فقد استفاد بشكل كبير مرافقو المرضى من ذويهم من برنامج التأمين، وكمثال واحد تم إجراء 24 عملية زراعة كبد بتكلفة تصل إلى 350 ألف دولار للعملية الواحدة، وهذه غير علاجات العديد من الأمراض المزمنة المكلفة وفي أفضل المراكز الطبية.
ونجاح الملحقية على جبهة التأمين نرجو أن تنقله إلى جبهة الإرشاد الأكاديمي ومتابعة الطلاب، وما يهم الآن هو التحول إلى تعميق البرنامج عبر رفع الجودة، لكن حسب الوضع الحالي لن يتحقق ذلك، بالذات للطلاب في مرحلتي البكالوريوس واللغة، أما الطلاب في مرحلتي الماجستير والدكتوراه فهؤلاء احتياجاتهم ومتطلبات عائلاتهم لا تشكل قلقا كبيرا، المزعج وضع طلاب البكالوريوس، خصوصا الذين التحقوا بالبرنامج أخيرا.
بعد الارتفاع الكبير لأعداد الطلاب أصبح المشرف في الملحقية لديه في المتوسط 350 طالبا، وهذا العدد الكبير قد لا يسمح بالمتابعة الدقيقة التي تتحرى الجودة في التعليم، وهذا الوضع ربما يمكن تداركه عبر خطوة ضرورية لعل الوزارة تعمل عليها وهي تكثيف الإرشاد والمتابعة من مقر الوزارة في الرياض، فالآن تقنية المعلومات سهلت الكثير من الأعمال عن بُعد، والشركات الكبرى تخدم عملاءها عبر المحيطات، لذا تستطيع الوزارة عبر إدارة متخصصة مزودة بالكوادر المدربة المتابعة الأكاديمية والمالية والإدارية.
هذا التوجه له أثره الكبير في توفير النفقات التشغيلية الجارية التي ربما يُستفاد منها لتوسيع قاعدة القبول. والمتابعة من الرياض ربما تستهدف الإجراءات الروتينية المعتادة بعد انتظام الطلاب في الدراسة واستقرارهم، ويوجه جهد المشرفين في الملحقيات للمتابعة الميدانية والتوجيه التربوي، بالذات للطلاب المستجدين في مرحلة البكالوريوس، فهؤلاء يهمنا احتواؤهم وتوجيههم حتى لا يتورطوا في مشاكل أمنية أو صحية تؤثر فيهم وتبعدهم عن مسار الدراسة.
هذه اجتهادات بعد مشاهدات وبالتأكيد العاملون في الوزارة والملحقيات لديهم ما هو أهم وأعمق لإنجاح برنامج خادم الحرمين الشريفين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي