رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مؤشر القبول والرفض

القبول والرفض يعتبران أساساً من أسس العلاقات بين الناس والدول والمجتمعات منذ أن وجدت الإنسانية، ومع حلول شهر الصيف وكثرة مناسبات الزواج فيه قد يظن القارئ أن موضوع الزواج والقبول بين الطرفين الزوج والزوجة هو موضوع هذا المقال. ومع أهمية الموضوع نظراً لما يترتب عليه من بناء عائلة هادئة مستقرة أو خلاف ذلك إلا أن هذا ليس موضوعنا، بل موضوعنا يتمثل في استطلاعات الرأي والدور الذي تقوم به في المجتمعات التي تأخذ بهذه الصناعة ذات الطابع السياسي والاجتماعي، وذات القيمة والمردود الاقتصادي.
دول كثيرة، وبالذات الدول الغربية وعلى الأخص منها الولايات المتحدة، جعلت من استطلاعات الرأي أساساً لكثير من سياساتها التنموية، وقراراتها السياسية التي قد تقودها لدخول حرب أو الانسحاب منها، كما أن استطلاعات الرأي تتجلى في أقوى صورها في موسم الانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية، نظراً لما في نتائج استطلاعات الرأي من قيمة في سبر الرأي العام والصورة التي يفكر بها، ونوع المشاعر والاتجاهات التي يعيشها إزاء فرد من المرشحين، أو إزاء قضية من القضايا ذات المساس بالشأن العام، وما يمكن أن يترتب على ذلك من آثار إيجابية، أو سلبية يتأثر بها المجتمع على حد سواء، أو ربما يتأثر بها الوضع العام للبلد أمنياً وسياسياً.
وبهدف معرفة آراء الناس واتجاهاتهم، ومشاعرهم تلجأ الدول إلى أساليب وطرق تمكنها من هذا الهدف، حيث إن استطلاع الرأي المباشر أو غير المباشر يمثل ثقافة اجتماعية تحدد نوع الأسلوب المتبع في هذا المجتمع أو ذلك. استطلاعات الرأي المباشرة تتم من خلال الاستفتاءات الورقية، أو من خلال الهاتف، حيث يتم الاتصال المباشر بالجمهور الذي يهمه معرفة رأيه ومشاعره، فقد يكون عموم المجتمع أو شريحة من شرائحه، حيث يتم استطلاع رأي من يحق لهم التصويت في الدول التي توجد فيها انتخابات رئاسية أو نيابية لمعرفة تفضيل الجمهور الناخب، لكن في دول أخرى قد يكون استطلاع الرأي غير المباشر، وذلك من خلال الشائعات والنكت التي يطلقها الناس، أو ما يدور في مجالس الناس، وأحاديثهم الخاصة، أو ما يكتب في الصحف والمواقع الإلكترونية.
أوضح صورة من صور استطلاعات الرأي ذلك التعبير المباشر والعفوي الذي يقوم به الناس من خلال المظاهرات، إذ يبرز الرأي العام إزاء قضية كحرب أو سياسة اقتصادية تنوي حكومة من الحكومات الإقدام عليها، وكم من المرات نقلت وسائل الإعلام المرئية حشود المتظاهرين في أوروبا وأمريكا وغيرها من دول العالم، وفي هذه السنة ظهرت هذه الظاهرة بشكل بارز في العالم العربي وهي تجوب الشوارع، وتملأ الساحات منددة أو موافقة ومؤيدة، وبناءً على هذا الاستطلاع المباشر الذي لا يمكن أن يكون عرضة للتزييف إلا ما ندر، وفي مجتمعات لم تنضج في هذا المجال، حيث مثل هذه الدول تفرض على موظفي الدولة الخروج لتأييد الرئيس أو الحاكم، وإظهار محبتهم وولائهم، واتجاهاتهم الإيجابية. في سابقة إن كانت على المستوى اللفظي فقط، صرح الرئيس السوري بشار الأسد أنه مستعد للاستقالة من منصب رئيس الدولة والعودة إلى المنزل الذي نشأ فيه حيث له أسرة وأصدقاء وجيران متى ما تأكد رفض الشعب السوري له.
توقفت عند مفهوم الرفض وآلية التأكد من هذا الشيء، وتساءلت هل الرئيس السوري يبحث عن دليل عملي يطمئن إليه بشأن عدم قبول الشعب له؟! إذا كان هذا هو المقصود فلا أبلغ من استطلاع الرأي الحسي الذي عبرت عنه الجماهير في شوارع وساحات المدن السورية، التي مر عليها حتى الآن ثلاثة أشهر تصرخ بأعلى صوتها، وترفع الشعارات المكتوبة التي تنادي بسقوط النظام وقدم الشعب آلاف الشهداء وعشرات آلاف المعتقلين، كما تعرض الكثير من أبنائه للإهانة واستلاب كرامته الإنسانية. إن المشاهد خارج سورية يدرك هذه الحقيقة فكيف برئيس الدولة الذي يعلم علم اليقين أن بقاء حزب البعث لعشرات السنين لم يكن ليحدث لولا سطوة الأمن وشراسته والقبضة الحديدية التي نكل بها السوريين.
المشاهد الحية أبلغ وأقوى من استطلاعات الرأي الورقية أو الهاتفية، وفي ظني إن كان الرئيس بشار الأسد جادا في قوله فلن يجد دليلاً أقوى من هذه الحشود التي ترفض بقاءه وتطالب برحيله، فهل يبقى عذر للرئيس كي يقدم على الاستقالة استجابة لرغبة شعبه وتجنيباً لبلده مخاطر لا يعلم بها إلا الله وإبقاء لأسرته بدلاً من رفضها، وطردها خارج المجتمع السوري، أم أنه لا يزال ينتظر الدليل الأقوى لرفض الشعب السوري له، وربما يكون الدليل فناء السوريين، ودمار مدنهم حتى لا يبقى سوى أعضاء حزب البعث، أو ربما عائلة الأسد والمحسوبين عليها، لتكون سورية ضيعة لهم دون منازع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي