أمريكا.. الاستثمار في الشراكة
■ في عدد أمس السبت قلت إن هناك أشياء عديدة نسعى لتطويرها في العلاقة مع أمريكا، فإذا المحافظون الجدد أبرزوا الجانب السيئ لأمريكا، إلا أن الجانب المشرق يرقى إلى آمالنا وطموحاتنا، والصهاينة حلفاء إسرائيل لن يحجبوا معطيات (القوة الناعمة) لأمريكا، فالقوة الأساسية لأمريكا هي في معاقلها العلمية ومراكزها الصحية ومؤسسات الأبحاث والاختراع، ومخرجات الصناعة وإنجازات الفكر والثقافة.
كشاهد على عمق العلاقة بين السعودية وأمريكا، صادف الأسبوع الماضي مرور أكثر من 60 عاما على بداية العلاقة العلمية مع أمريكا، ففي هذا الأسبوع احتفلت الملحقية الثقافية السعودية بتخريج الدفعة الرابعة من برنامج خادم الحرمين الشريفين (عدد الخريجين من بداية البرنامج في أمريكا ثلاثة آلاف طالب)، كما احتفلت بافتتاح مقرها الجديد الدائم في فرجينيا، قريبا من واشنطن، وهذا المبنى يضم أكثر من 400 موظف يعملون لخدمة ما يقارب (65) ألفا من الطلاب وعائلاتهم، وهذا العدد الكبير مؤشر عملي على أن البلدين يسعيان إلى حقبة جديدة في الشراكة الاستراتيجية.
إن وجود هذا العدد يعني أن الحكومة السعودية لديها الثقة بالمجتمع الأمريكي ومؤسساته العلمية وتثق بالتزام حكومته بتسهيل مهمة هؤلاء الدارسين، فهؤلاء سوف يشكلون جيلا قائدا في الشؤون العامة في بلادهم، وهم رصيد إيجابي لاستمرار العلاقة للحقبة الجديدة التي تقوم على التعاون والتفاهم المستقرين، وتتصدى بعملية وواقعية لجهود اللوبي الصهيوني حتى لا يجد الفرص لتخريب العلاقة، فالطلاب السعوديون يقومون الآن بجهد منظم ليكونوا خير سفراء لبلادهم، وأنديتهم الطلابية تقوم بدور مهم للدبلوماسية الشعبية في الأوساط العلمية والطلابية، والجامعات الأمريكية حسب أنظمتها توفر لها الدعم والتمويل. الشعب الأمريكي لديه الرغبة في التعاون والصداقة إذا وجد الاتصال الفعال الذي يستثمر العمل المنظم المستمر. إن طبيعة الانفتاح الثقافي والفكري في المجتمع الأمريكي تسمح بإقامة الشراكات الدائمة، وهذا ما يسعى إليه القائمون على العمل السياسي والثقافي والعلمي، سواء في سفارة خادم الحرمين في واشنطن، أو في الملحقية الثقافية والأندية الطلابية، وثمة مخرجات واقعية لهذا التوجه.
كما عملت وزارة الخارجية والسفارة في واشنطن على استثمار خصوصية العلاقة بين السعودية وأمريكا لتحويلها إلى برنامج عمل تقوده وتشرف عليه المؤسسات بين البلدين، وزارة التعليم العالي عبر الملحقية الثقافية في واشنطن تبنت إقامة شراكة دائمة تقوم على اتفاقيات تعاون موقعة بين الجامعات السعودية والجامعات الأمريكية، وبين الملحقية الثقافية والجامعات والمؤسسات العلمية الأمريكية، ونشير هنا إلى تطور في جانب مهم وحيوي، وهو المجال الأكاديمي الصحي.
في هذا الإطار ذكر الدكتور محمد العيسى الملحق الثقافي في واشنطن أنهم وقعوا حتى الآن (95) اتفاقية تعاون مع أهم وأشهر كليات الطب في أمريكا، ونتج عن هذه قبول (1000) طالب في مختلف التخصصات الصحية، وكذلك قبول (300) طبيب أسنان و(250) صيدليا و(30) طالب وطالبة دراسات عليا في التمريض، وهذه الأرقام ربما ارتفعت أثناء كتابة هذا المقال.. والإنجاز على هذه الجبهة المهمة يؤكد أن خصوصية العلاقة بين البلدين تحمل الكثير من الفرص التي علينا أن نعمل على استثمارها.
التعاون في مجال الأبحاث والمشاريع العلمية المشتركة ميدان مهم يضاف إلى برامج التأهيل الأكاديمي، والجامعات السعودية جادة في هذا الإطار، وهناك مؤشرات اهتمام من الجانب الأمريكي، والعلاقات السعودية الأمريكية سوف تشهد تطورا مهما إذا انتقلت إلى مرحلة تعزيز التعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث عبر المشاريع الاستراتيجية بعيدة المدى، وهذا ما سوف نتطرق إليه غدا.