رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


جلد عرابي الأزمة

في عام 2007، أطلق الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي آلان جرينسبان كتابه المشهور The Age Turbulence، الذي استعرض فيه سيرته الذاتية وتاريخه في عالم الاقتصاد الأمريكي والعالمي على حد سواء، من خلال قيادته دفة الاقتصاد الأمريكي لفترة قاربت العقدين من الزمان. حرصت على شراء هذا الكتاب بعد صدوره بأيام قليلة، وذلك للتعرف على سيرة (المايسترو) كما يحلو للبعض أن يسموه، أو (الساحر) كما يطلق عليه البعض الآخر. وسحره كان في عباراته التي كان من الصعب على المستثمرين في الأسواق استخدامها لتحديد اتجاه معين لأسعار الفائدة، حتى أصبح يوجه الاقتصاد كالمايسترو الذين يقود الفرقة الموسيقية فيناغم بين الآلات والألحان. اختتم جرينسبان حياته المهنية كأحد أبرز صانعي القرار الاقتصادي الأمريكي على حد سواء، وتمتعت الولايات المتحدة خلال عهده بنمو متميز خصوصاً خلال فترة التسعينيات الميلادية، وقدرة على تجاوز عدد من الأزمات الاقتصادية.
كان جرينسبان أبرز وأعتى منافح عن سياسات الـ Laissez Faire أو الحرية الاقتصادية، التي كان أهم مقوماتها الحد من التشريعات المنظمة للأسواق لإيمانه الشديد بقدرة الأسواق الفائقة على إحداث التصحيح اللازم. وقد سطع نجمه خلال فترة رئاسة كلينتون، حيث استطاع بجانب كل من روبرت روبن، وزير الخزانة الأمريكية آنذاك، ونائبه الاقتصادي المعروف لاري سمرز، قيادة حملة لتخفيف التشريعات المتعلقة بالقطاع المالي، مما أحدث ثورة كبيرة في آليات وطرق الإقراض. على سبيل المثال، شهدت نهاية التسعينيات الميلادية نهاية قانون ستيجال الذي يمنع الجمع بين نشاطي البنوك التجارية والبنوك الاستثمارية، وذلك بهدف الحد من المخاطرة الكبيرة بأموال المودعين، وبالتالي تهديد النظام المالي برمته. كذلك شهدت نهاية التسعينيات أعتى معركة بين كل من جرينسبان وروبرت روبن ولاري سمرز من جهة، وبين بروسكلي بورن، رئيسة هيئة الأسواق المستقبلية المعنية بتشريعات المشتقات المالية والمستقبليات، من جهة أخرى. ففي حين سعت الأخيرة بعد توليها رئاسة هذه الهيئة لوضع تشريعات تنظم التعامل في المشتقات المالية، شن الثلاثة حملة كبيرة في مواجهتها لمنع إقرار هذه التشريعات. بل تعدى الأمر ذلك إلى استحداث تشريع من الكونجرس يمنع هيئة أسواق المستقبليات من وضع هذه التشريعات.
النتيجة توسع كبير في المشتقات المالية دون وضعها في إطار سوق مالية تنظمها وتتابع إصدارها، وتحدد متطلبات الإصدار الخاصة بها. توسع كبير لدرجة أن كل المشرعين الماليين، بما فيهم ''الاحتياطي الفيدرالي'' ووزارة الخزانة الأمريكية، ليس لديهم أدنى فكرة عن حجم هذه السوق عندما اشتعلت الأزمة المالية. عملاق التأمين العالمي AIG مثلاً قدرت حجم عقود التأمين CDS التي أصدرتها بما يقارب 50 تريليون دولار. فقاعة كبيرة في القطاع المالي، قامت المؤسسات المالية من خلالها بخلق أدوات مالية مختلفة لإصدار الديون، وأدوات أخرى للتأمين عليها، في سبيل إظهار المخاطر التي تحملتها هذه المؤسسات بأقل من الواقع. أصبح كل دولار في هذه المؤسسات المالية يخلق ما لا يقل وقد يتجاوز أحيانا 30 دولاراً من خلال عملية الرفع المالي Leverage. كل هذه العمليات تتم دون أن يكون هناك نظام وتشريع ينظمها أو هيئة مالية تراقبها، يد بروسكلي بورن التي امتدت لتطول هذه الأدوات المالية تم قطعها من قبل الثلاثة الذين أطلق عليهم في السابق (فريق إنقاذ الاقتصاد العالمي) إبان الأزمة الآسيوية، مما أدى إلى استقالتها من منصبها.
الإعلام الذي رفع هؤلاء الثلاثة على قمة النجاح والتألق في قيادة القرار الاقتصادي، يدير اليوم ظهره لهم، بل يرفع سوط الحساب عليهم. فبعد أن حقق الفيلم الوثائقي Inside Job للمخرج شالرز فيرجسون، الذي سبق أن أشرت إليه في مقال سابق، نجاحاً كبيراً أدى إلى حصوله على الأوسكار عام 2010، تظهر اليوم أفلام وثائقية جديدة تؤرخ لهذه الأزمة، وتشن حملة على قادة اقتصاديات Laissez Faire، وعلى رأسهم جرينسبان. ومن آخر هذه الأفلام الوثائقيةThe Warning، الذي أنتجه التلفزيون العام الأمريكي، والذي يلخص قصة الصراع الذي دار بين بروسكلي بورن وكل من جرينسبان وروبن وسمرز، حول تشريع أسواق المشتقات المالية، الذي أشرت إليه في هذا المقال. الفيلم يتضمن عدة لقاءات مع عدد من الأشخاص الذين عاصروا هذا الصراع، ومن ضمنهم نائب بروسكلي في رئاسة هيئة أسواق المستقبليات، ورئيس هيئة الأسواق المالية في ذلك الحين، الذين وقف مع فريق جرينسبان ضد بروسكلي، واعترف أخيراً بخطئه في ذلك، في حين رفض الثلاثة، جرينسبان وروبن وسمرز إجراء لقاء معهم كما فعلوا ذلك في فيلم Inside Job.
جلادو الأزمة بدأوا تسخين سياطهم، والبحث فيما بين الأوراق عن كل ما يدين فكر Laissez Faire، بمن فيهم الأكاديميون الذين كانوا المنظرين الرئيسيين والمروجين لهذا الفكر. جرينسبان نفسه يعترف في كتابه The Age Turbulence بأنه تأثر كثيراً بأفكار الكاتبة الليبرالية إين راند، التي كانت ضد فكرة الحكومة وتدخلها في النشاط الاقتصادي. من المفارقات والمقارنات العجيبة تذكر تلك السطور بل الصفحات التي يعظم فيها جرينسبان السيدة راند، ثم مقارنتها بموقفه أمام الكونجرس الأمريكي، ليعترف بأنه كان مخطئاً بإيمانه الشديد بقدرة الأسواق على تصحيح نفسها. هذا الأسبوع أيضاً يطلق فيلم وثائقي جديد آخر سيمارس مهمة الجلد لعرابي الأزمة بعنوان The Flaw للمخرج ديفيد سينجتون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي