رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المبالغة في رقابة الامتحانات ولدت الغش في المدارس والجامعات

تصر مؤسساتنا التعليمية والأكاديمية على نهج الأسلوب العتيق في رقابة طلابها خلال فترة الامتحانات. فتنهج طرقا بدائية وأساليب تقليدية غير مقبولة تربويا وغير لائقة أخلاقيا، حتى أصبحت جزءا من الثقافات التنظيمية للمدارس والجامعات بل من القيم والأعراف الأصيلة التي لا تقبل الخدش، أو النقاش، أو الجدل.
تنشر وسائل الإعلام بين الحين والآخر بعض الأحداث المؤسفة التي تتبعها بعض المدارس والجامعات وتؤثر في مسيرة الطلاب خلال فترة الامتحانات حتى وصل الأمر إلى التدخل المباشر في العمل المهني للأستاذ فتتجرأ على تغيير أسئلة الامتحان دون علمه تحسبا لاشتباه تسربها. وعندما نتساءل عن هذا التصرف المشين فإنهم لا يتوانون من أن يتلوا على مسامعنا أن هذا أسلوب رقابي فريد. والبعض يرضى ويرضخ أن تتغير أسئلة الامتحان دون علمه ويكمل مهمته وكأن الأمر لا يعنيه. أما الذي اعتادت الأعراف والتقاليد التعليمية والجامعية العريقة فتثور نفسه، ويخرج عن طوره، ويعلن تمرده، ويرفض التشكيك في أمانته، ولن يقبل البتة تغيير أسئلة الامتحان دون علمه. وهذا النوع من الصعب أن يعيش في ظروف الشك والريبة والمبالغة في الرقابة وخروج الموضوع عن نسقه.
وهذه الأحداث ليست عرضية بل تتكرر باستمرار وبصور مختلفة وبطرائق متعددة خلال الامتحانات النهائية لأن مؤسساتنا التعليمية ومن ضمنها الجامعات لم تدرك بعد أن الاختبارات هي عملية قياس حصيلة معلومات، وأن أستاذ المادة هو المعَني الأول والأخير بهذه المهمة وما حالات الشغب، والعنف، والغش، التي تحدث إلا إفرازات للضغوط والتوتر التي تحدثها المبالغة في الرقابة والتشكيك في الأساتذة والطلاب، وما يحدث من تصرفات شاذة من بعض الطلاب خلال الامتحانات سلوك متوقع قد نبهنا منه مرارا وتكرارا ودخلنا من أجله صراعات وطالبنا بعقد الندوات لندرك جميعا أن الامتحانات ما هي إلا علاقة بين أستاذ وطلاب والبقية فرق مساعدة.
لقد وصل الوضع في بعض مؤسساتنا التعليمية إلى تحويل الصرح العلمي إلى ثكنى عسكرية يصعب اختراقها. قبيل الامتحانات تقوم بعض المؤسسات التعليمية بتقسيم طاقمها التعليمي والإداري إلى عدة مجموعات تتولى عدة مهام. مجموعة تتأكد من نظافة مناضد الطلاب وحوائط القاعات من الكتابات والرسومات ولو وصل الأمر إلى إعادة طلائها. مجموعة أخرى تتأكد من إغلاق النوافذ وسد الثغرات التي قد تنفذ منها معلومة قد تفيد الطالب أثناء تأدية الامتحان. أما المجموعة الثالثة فمهمتها إصدار التصاريح وتحديد من لهم حق الدخول إلى قاعات الامتحان. ثم تأتي من بعد ذلك الجولات الميدانية للقيادات التعليمية والأكاديمية للتأكد من أن الوضع تحت السيطرة ولا مانع من استدعاء وسائل الإعلام لتغطية الحدث لتظهر للمسؤولين قبضتها الحديدية وخططها الجهنمية في السيطرة على الامتحانات وتظهر ذلك بكل فخر في الصحف وتتناقلها نشرات الأخبار. فنرى وسائل الإعلام تعرض جولات بعض القيادات وهم يتفقدون قاعات الاختبارات ويرون أن هذا من صلب عملهم ومن أهم واجباتهم تفوق في أهميتها إعداد الاستراتيجية وبناء الخطط المستقبلية.
ما ضر لو ولج الطلاب قاعات الامتحان دون رقابة، ودون طلاء الجدران، ودون تغيير الأسئلة؟ وما ضر لو أشرف أستاذ المادة على اختبار طلابه بنفسه فقد صحبهم عاما كاملا يعرف المتفاني من الكسول والجاد من المهمل، وقد منحناه الثقة في تعليمهم، وتقويم سلوكهم، وتهذيب أفكارهم أفلا نثق بإشرافه عليهم أثناء الامتحانات؟ ولنظن في طلابنا الظن الحسن ولنتوقع منهم الصدق، والموضوعية، والأمانة، وإن سولت لأحدهم وأدخل معه ما يرى أنه يعينه في تذكر معلومة فلننظر إليه من طرف خفي حتى يستيقظ ضميره ويخفي ما بحوزته وبذا نمنحه فرصة العودة وتصحيح الصورة وأظنه لن يُعاود الكرة إذا علم أنه سيُمتحن في قاعة الدرس التي ألفها طوال العام وبمعية زملائه الذين عاشرهم خلال أيام السنة وبإشراف معلمه وأستاذه الذي اعتاد الحديث معه، وألف سلوكه، وطريقة ترغيبه وترهيبه.
لقد قسونا كثيرا على أبنائنا باختلاقنا أساليب رقابية لا تليق بالبيئة التعليمية ولا تُقبل من الناحية التربوية. إن هذه المبالغة في الاحتياطات وتهميش دور الأستاذ والشك في الطلاب هي التي ابتكرت وطورت أساليب الشغب، والغش، والتمرد على الأنظمة في المدارس والجامعات. نحن الذين جعلنا أيام الامتحانات شاقة، وقاسية، وتعيسة، وذكرى مريرة. نحن الذين ألجأنا الطلاب إلى السلوكيات البغيضة بطرائقنا وآلياتنا وتصرفاتنا التي لم تنضج. يجب أن نغير كثيرا من أنظمتنا خلال فترة الامتحانات حتى تمر الفترة بسلام ولا مانع من ممارسة وظيفة الرقابة، ولكن بطريقة فعالة تربي الطالب على احترام الذات، وتقديس البيئة التعليمية، وتنمي في نفسه الولاء والانتماء. وقد أحسنت وزارة التربية والتعليم عندما استبدلت الاختبارات للمرحلة الابتدائية بطريقة "التقييم المستمر" رغم أن البعض ما زال يعارض هذا الأسلوب إلا أنني أرى أن فوائده كثيرة وإيجابياته عديدة ومن أبرزها انتزاع هيبة الامتحانات من أنفس الأولاد و البنات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي