رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


من أجل عدالة أكثر في معدلات الاختبارات النهائية

إداري في مدرسة حكومية معروفة بسمعتها المميزة في التدريس والإدارة يقول لي: إن المدرسة بحزمها وجدية الدراسة فيها, لا يتفوق فيها إلا متفوق, ولا يتميز فيها إلا طالب مميز, ولا يحصل الطالب في هذه المدرسة إلا على درجة تساوي قدراته الذهنية, وحيث إنه لا مكان هنا في المدرسة للملخصات التي تختزل المنهج في خمس صفحات أو ست - كما هو الحال في العديد من المدارس, وخصوصا الأهلية - كما أنه لا مكان للتغاضي عن التجاوزات التي تحرق المراحل, لذا فإن عددا من طلاب هذه الثانوية يسحبون ملفاتهم, وينتقلون إلى مدارس أهلية, في السنة الثانية ثانوي, ليحصل عوضا عن معدل 75 أو 80 في المائة على معدل 95 أو 98 في المائة!!! ثم الجامعات تفضل صاحب هذا المعدل الكبير على طالب خريج المدرسة المميزة, والذي ربما يحصل على 88 أو 90 في المائة؛ لأن الجامعة لا تفرق بين مدرسة ومدرسة, علماً أن هذا الطالب الحاصل على معدل أقل في هذه المدرسة المميزة خير من ذاك الحاصل على معدل أكثر في مدرسة تعج بالتسيب ربما, يقول لي الإداري هذا الواقع بكل حرقة, وأعتقد أن الكثير من الناس يدرك هذا الواقع, ولكن أين مبضع الجراح ..؟!!
وهذا الواقع في مدارس التعليم العام بدأ يتسلل إلى جامعات التعليم العالي..!!
فهل يصح أن نضع رؤوسنا في الرمل، ونتغاضى عن هذا الواقع بحجة حساسية الموضوع ..؟!!
من الضحية ..؟!! أليسوا أبناءنا وبناتنا..؟!!
هل يليق أن يتطور التعليم العام والعالي من حولنا، ونتأخر نحن خطوات للخلف..؟!! أعتقد أن هذا غير لائق البتة، ولا سيما في ظل دعم لا محدود لمؤسسات التعليم.
إن هؤلاء الطلاب والطالبات والخريجين والخريجات سيكونون مستقبلا معلمي الأجيال، وموظفي الدولة في مراكز صنع القرار، ومن هنا فإنه يتأكد على المسؤولين أن يعطوا هذا الموضوع جانباً كبيراً من الأهمية تليق بمكانته وخطورته، وقد كان قرار الدولة قبل أسابيع في تخفيض مستوى القبول إلى 70 في المائة أولى الخطوات في الطريق الصحيح, والخطوة التالية: الرفع من كفاءة المعلمين والمعلمات والمسارعة إلى وضع حد لتوزيع الدرجات بالمجان؛ لأن هذا يعني ببساطة تخريج طلاب وطالبات بالمجان, وهذه مخالفة, بل جنحة, وربما جناية بالنظر إلى الضرر الكبير اللاحق بمجتمعنا, وهنا أتساءل بعد مرور سنوات على اعتماد نظام القياس: هل نظام القياس الأجدى مع إقحام السنة التحضيرية بين الثانوية العامة وبين الجامعة, أم الأجدى النظام القديم الذي تقوم به وزارة التربية والتعليم سابقا, بتوحيدها لأسئلة الشهادة الثانوية, وإشرافها الكامل على مراقبة المدارس الحكومية والأهلية, وتصحيح الإجابات, والإعلان عن النتيجة ..؟
أعتقد أن النظام القديم كان أكثر عدالة، وأكثر دقة, وأكثر حزما, وأكثر هيبة, كما أعتقد أن النظام الجديد أكثر تسيبا, وأقل حزما, وأضعف هيبة, ولننظر إلى إشراف الدولة المصرية والدولة التونسية على امتحانات الثانوية العامة, وقيام الجيش المصري والتونسي بقدراته, وبآلاته العسكرية بنقل أسئلة الامتحانات الشهادة الثانوية العامة, في منظر مهيب؛ خوفا من استغلال الأوضاع الأمنية في تسريب الأسئلة, أو في إفشال امتحان النهائي لهذه المرحلة الدراسية المهمة.
وفي نظري أن السعودية لا تقل مكانة في الاهتمام بالمخرجات التعليمية, ولهذا أرى أن يقوم المسؤولون بواجبهم في إعادة الهيبة لاختبارات المراحل الدراسية بعامة, واختبارات الشهادات الثانوية والجامعية بخاصة, ولا سيما في ظل تنافس عدد من الجهات التعليمية الطبيعية والاعتبارية في كسب الطلاب والطالبات, وذلك بهدر توزيع الدرجات بلا مقابل, حتى أضحى الحزم من المعلم والمعلمة أمراً غريباً في ظل أجواء غير صحية كهذه ..!
إننا لسنا بحاجة إلى مؤسسات تصنيف تصنف جامعاتنا بناء على رؤية تختزل الجامعة ومستوى نهوضها على قياس يرى الجامعة من زاوية ضيقة, أو يراها من ثقب الباب, عبر موقعها على الإنترنت أو عبر مقاييس لا تستوفي متطلبات التقييم الشامل, ولهذا نحن بحاجة إلى مؤسسات تصنيف تراقب العملية التعليمية عن قرب, من أجل أن يكون التصنيف عن واقع, لا أن يكون من وراء البحار والمحيطات, أو من وراء لوحة المفاتيح..!
ولا شك أن المعالجة الإدارية والتعليمية وغيرها هي الأهم, فإذا لم تعالج هذه الأوضاع, فمؤسسات التصنيف للمدارس الثانوية ستكون في مرتبة الحاجة أو الضرورة؛ لئلا تستقطب الجامعات معدلات مرتفعة غير حقيقية, فتستقطب مخرجات مهترئة, ولئلا يكون استقطاب المدرسة غير الجادة على حساب المدرسة الجادة, فيصبح السوق على المدارس المهترئة, ويخف الزبائن على المدارس المميزة, وهذا في النهاية يؤدي إلى تلاشي هذا النوع من المدارس.
في العالم كثير من مؤسسات التصنيف؛ من أجل تمييز الخبيث من الطيب, وتمييز المميز من غيره, سواء في مجال الائتمان كما في البنوك, أو في مجال الجودة كما في الشركات, ولا أعتقد أن تحقيق الأمان في المخرجات أقل أهمية من تحقيق الأمان في الأموال, فمجال التعليم, ومجال النهوض بشباب البلد وشاباته, هو المجال الاستراتيجي للدولة والمجتمع, والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي