الدرس المستفاد من قضية الخضار الملوثة بأوروبا؟

إن ما حصل في ألمانيا خلال الأسابيع الماضية وما تسببت فيه الخضار المستوردة من إسبانيا واستهلكت في ألمانيا ووزعت من هناك إلى النمسا والسويد وظهور بعض العوارض في دول أوروبية أخرى ليعتبر ناقوس خطر يدق في سماء العالم لأن النوع مرصود من هذه البكتيريا (E.coli) تم اكتشافه في أوروبا وبمنتجات أوروبية ولا يزال الوباء (إذا جاز التعبير) محصورا في أوروبا. كما أن الاتهامات انتهت إلى بعض الحذر بعد أن أصبح الوزراء يعون أن آلية انتشار المرض ترتكز على مبادئ علمية تعني استخدام بقوليات مستنبتة أو مخصبات معينة أو أسمدة حيوانية وأن تقصي الحقائق سيصل إلى المسببات والمراحل التي وقع فيها الخطأ.
في الواقع هذه العدوى ليست غريبة أو جديدة في نمطها أو إطارها فما حصل بأستراليا واليابان والصين وبالطبع تكرر في إفريقيا أدلة تشير إلى أن التنظيم الجيد المؤطر لكل عمليات الاستزراع أو التصدير أو الاستيراد والتوزيع يمكن أن يحمي المسؤول من الوقوع في مثل هذه الزلات أو الإصابة من الانتشار بشكل كبير بناء على تتبع مراحل الزراعة والنقل والتوزيع. لقد تألمت من قبل آسيا وإفريقيا لعقود مضت من نشوء أو ظهور جوائح تسببت في وفاة المئات بل الآلاف من البشر في كل مرة، وقد كان لدول مثل أمريكا وكثير من دول أوروبا تعليقات على الأوضاع الصحية في هاتين القارتين ووصلت إلى حد التهكمات والاستعلاء غير المبرر. إن كل ما تبذله دول مثل ألمانيا والسويد وبريطانيا وفرنسا من احتياطات صحية جاء قاصرا أمام مشكلة منتجات زراعية وآليات عمل تفتيشية وبروتوكولات غير مكتملة في بعض الإجراءات وغيرها. الآن هل يمكن اتهام شركات الأدوية (كما قيل) بأنها تريد استنزاف الدول بشراء اللقاحات بعد تطوير مثل هذه الأنواع الجرثومية مخبريا، وبالطبع هنا (اللعب مع الكبار). أم يمكن اتهام وافد من دولة إفريقية أو آسيوية بأنه جلب معه هذا النوع الغريب في حقائبه، أم أن هناك مقيما غير نظامي كان يعمل في شحن المحاصيل الزراعية ولم يتم التأكد من سلامته العقلية أو البدنية، أم ماذا؟.
الآن وقد ظهر أن أي بلد يمكن أن يصاب بمشكلة تشابه التي وقعت في جزء آخر من العالم ومن داخل الكيان وتحت أنظار أفضل الأنظمة والقوانين فإن مسألة العولمة لا شك أنها وصلت مداها وعلى العالمين العربي والإسلامي أخذ الحيطة والاحترازات كافة من مغبة الوقوع في مشاكل لا يكونون مستعدين لها. إن قانون الأزمات أو الكوارث لابد أن يكون مشربا للأطفال من أعمار مبكرة جدا وبالتالي لابد أن يكون كل ممارس لمهنة محيطا بجوانب كل موضوع وكيفية التصرف في أي لحظة بغية حصر التلف أو الدمار أو الآثار المترتبة على ذلك في أقل وأضيق الحدود. نحن الآن نعد لأن نطور مستويات خريجي المعاهد الصحية ونستفيد من قدرات خريجي التدريب التقني والمهني ونستغل وجود أمهر المدرسين بمدارسنا بعد تحسين أوضاعهم في القطاعين العام والخاص وذلك خلال العامين المقبلين. هل لنا أن نعقد العزم على أن نكرس في برامج التطوير مقررات أو محتوى يتركز في مواضيع في الأزمات والكوارث البيئية والطبيعية خصوصا أن هذه الفئات مهمة جدا في مجتمعنا ونريدها أن تكون نقطة انطلاق صحيحة للموارد البشرية المتخصصة مهنيا وفنيا؟
تاريخيا فقد اجتمعت دول العالم على أن تؤسس لمنظمات دولية تقود التحرك الجماعي لحماية البشرية من الفتك الجماعي وتساند الأضعف وتعزز مواقف الأفضل وتتيح الفرصة للمتقدم أن يطور أدوات التعامل مع كل جديد يخشى من فتكه. هذه المنظمات تخصصت في التعامل مع الغذاء والدواء والصحة والبيئة... إلخ وأصبحت تنشر معايير العمل ومؤشرات الأداء السليم واشتراطات هدفها أساسا حماية الإنسانية من أي فتك مفاجئ خطير. هنا تكمن أسئلة مهمة في الطريق لحماية الأنفس البشرية: هل تقوم المنظمات بما يكفي وبالسرعة المطلوبة؟ هل تستمع الحكومات أو تنفذ ما اتفق عليه المجتمع الدولي من خلال هذه المنظمات بعد أن اجتمع الخبراء وكتبوا توصياتهم ووضعوا كل الأمور بتفاصيلها بين أيديهم؟، وهل تحقق الإصحاح العام كما يأمله الفرد البسيط مواطنا كان أم مغتربا؟
اقتصاديا تم حصر وتقدير مقدار الخسائر الأسبوعية لإسبانيا منذ إيقاف استيراد المواد الغذائية، حيث بلغت أكثر من 200 مليون دولار أسبوعيا وذلك فقط في الأنواع الثلاثة من الخضراوات ''الطماطم والخس والخيار''. هل بعد تسرع ألمانيا باتهام إسبانيا بالتسبب في كوارثها سيكون هناك تعويض لإسبانيا عن خسائرها؟ وهل التعويض عبر اتفاقيات ثنائية أم عبر مجلس الاتحاد الأوروبي؟. أعتقد أن هناك الكثير الذي يمكن تعلمه من هذه المشكلة، فليت مراكز الأبحاث بدول الخليج تضع المشكلة في مقارنة مع جوائح آسيا ولنتعلم ما ينفعنا في المستقبل والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي