لحم الحمار وهدر الميزانية

طالعتنا الأيام الفائتة بعدد من الأخبار التي شكلت صدمة لكل من قرأها، حيث طالعتنا صحيفة ''عكاظ'' (عدد 3639) بأن الجهات الرقابية شرعت في سبر أغوار ملف المصروفات في ''الخطوط السعودية'' فيما يتعلق بالمصروفات النثرية التي أظهر الحساب الختامي للناقل الوطني، التي تجاوزت سقف الخمسة مليارات ريال، علما بأن الجهات الرقابية لم تكن لتشغل بالها بهذا الرقم، لولا أن الاستفسار أثير من قبل أعضاء مجلس الشورى في مناقشتهم تقرير ''الخطوط السعودية''. الحادثة الثانية، هي استئجار مستودعات باسم وزارة التعليم العالي لتتم الاستفادة من مبالغها في الصرف على إسكان الملحقيين الثقافيين في الخارج، كما نشرت في صحيفة ''سبق'' (03-03-2011)، وهو الخبر الذي لم تثبته أو تنفه الوزارة حتى الآن. وغير ذلك من الحوادث العديدة التي نسمع عنها في الجهات المختلفة، لا يسع المجال لذكرها.
إذاً أسباب هذا المقال، ليست للبحث في صحة أو نفي مثل هذه الحوادث، لكن محاولة لتسليط الضوء على أسباب ومسؤولية الجهة المتسببة في حدوث مثل هذه الظواهر في جهازنا الحكومي. الميزانية العامة للدولة، فهي تعد وتدار بطريقة لم تتغير منذ عقود، وهي لا تكاد تخلو من أربعة أبواب هي: الرواتب، والأجور، والبدلات، النفقات التشغيلية (ويشمل 256 بندا)، الصيانة والتشغيل، والمشاريع والإنشاءت الجديدة، حيث إن الطريقة المستخدمة في إعداد الميزانية العامة للدولة ما زالت تتم وفقا لما يعرف بموازنة الرقابة أو البنود، وهو نظام أثبت فشله في الرقابة على فاعلية الصرف، لكنه يتسم بتمكنه من ربط النفقات بالمستندات الداعمة، وهنا أشير إلى مقال رائع في هذا الخصوص للكاتب الدكتور محمد آل عباس في هذه الصحيفة (العدد 5226 ) نشر قبل أكثر من 1233 يوما، وما زال حالنا كما هو.
في تصريح أعلنه بكل ثقة معالي رئيس ''الخطوط السعودية'' لدحر تهمة إهدار المال العام، في شكل نفقات ومصروفات نثرية، قال حسب المعنى إن هذه النفقات تمثل نفقات أساسية لـ''الخطوط''، ولا تستطيع الشركة القيام بأعمالها دون هذه النفقات. والحقيقة أن معالي المهندس قد أصاب في هذه النقطة دون سواها من وجهة نظري. وكأنه يرمي بالكرة على مجلس الشورى الموقر، للبحث والتقصي في استمرار موازنتنا الضخمة في الإعداد والتنفيذ بهذه الطريقة البدائية، التي يجب أن توجه فيها أصابع الاستفسار لمقام وزارة المالية، وهي الجهة المسؤولة عن هذا الأمر.
إن إعداد الميزانية العامة للدولة بهذه الطريقة، مع ترك المجال متاحا لمن أراد أن يتصرف أو يناقل بين البنود، بلا رقيب أو حسيب هو من أكثر أوجه الضعف التي تساعد على نشوء الفساد وانتشاره. فأغلب بنود الميزانية يتم الصرف عليها وفقا للاحتياجات وقد لا تكون مبرمجة مسبقا، أو تدعو مسؤولي هذه الجهات للصرف بسخاء في نهاية العام المالي لإنهاء هذه البنود قبل أن تستعيدها وزارة المالية وتحرمهم منها مستقبلا.
ما أثير من نقاش عن نفقات ''الخطوط السعودية'' (''عكاظ'' 3639)، أو وزارة التعليم العالي (''سبق'' 03-03-2011)، أو وزارة المياه والكهرباء (''الرياض'' 14901)، أو ما نشر عنه في تقرير ديوان المراقبة العامة عن مبلغ الـ 109 مليارات (''الرياض'' 14899)، كل هذه الحوادث وغيرها الكثير لتدل دلالة واضحة أن المشكلة في طريقة إعداد وتنفيذ الميزانية العامة، وأن هذه الطريقة مدعاة لإيجاد بؤر فساد قد تستغل في غير مصلحة الأجهزة الحكومية أو التنمية في البلاد، لذلك يجب أن توجه أصابع النقد من قبل أعضاء مجلس الشورى لمقام وزارة المالية لتأخرها أو عدم اكتراثها بالمبادرة في إعادة تقييم مدى فاعلية الميزانية العامة التي تعد وتنفق سنويا، ومن دون أي مؤشرات على فاعلية الميزانيات السابقة في تحقيق كفاءة عالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي