المبتعثون .. كنز السياسة الخارجية
■ أعداد الخريجين السعوديين الكبيرة التي نحتفي بها هذه الأيام في مختلف دول العالم وآخرها يوم السبت الماضي حيث احتفلت وزارة التعليم العالي بتخريج ما يقارب 1200 طالب وطالبة في إطار برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي .. هذه الأعداد التي تتخرج تعيدنا اليوم للحديث عن بناء السياسة الخارجية السعودية، هذا المشروع الذي نتمنى أن ندعمه جميعا، بالذات في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة الآن.
العنصر البشري المدرب ضروري جدا ومهم لإنجاح السياسة الخارجية لأي دولة، وجورج كينان أو (السيد x) أحد أبرز منظري السياسة الخارجية الأمريكية كتب في (الفرن أفيرز) في عام 1997 مقالا مهما بعنوان "دبلوماسية بدون دبلوماسيين"، وفي هذا المقال وفي غيره أيضا انتقد ضعف العناصر البشرية العاملة في حقل السياسة الخارجية الأمريكية، ويزعجه ضعف اطلاعهم على تاريخ الشعوب ومحركاتها الثقافية والروحية.
وهذا الجانب مهم وكان محل اهتمام للدول العظمى في السابق، فقد كان يتم اختيار الدبلوماسيين بعناية وعادة يكونون من الخبراء والدارسين لحضارة وثقافة ولغة الشعوب التي يبعثون لها، وجورج كينان وغيره من محترفي العمل الدبلوماسي الأمريكي يرون أن إخفاق السياسة الأمريكية في عدد من المناطق في العالم يعود إلى عدم الفهم الصحيح للقضايا التي يتعاملون معها، بالذات في الجانب الثقافي والحضاري.
من إيجابيات برنامج خادم الحرمين الشريفين أنه تبنى مبدأ تنويع مناطق الابتعاث، فقد اختار المسؤولون في وزارة التعليم العالي أفضل الجامعات العالمية في مختلف التخصصات والآن أكثر من 120 ألف طالب وطالبة يدرسون في جميع القارات، وهذه خطوة أساسية وستوفر مستودعا للموارد البشرية المتخصصة والمطلعة على شعوب العالم وثقافتها وعاداتها.
ما هو أهم أيضا ويدعم الدعوة للاستفادة من هذه الموارد البشرية هو التزام المملكة بهذا البرنامج للابتعاث، فالملك عبد الله – حفظه الله – قبل أشهر أمر بتمديد البرنامج خمس سنوات أخرى، وهذا يعني أن أعداد الخريجين بعد خمس سنوات قد تصل إلى أكثر من 300 ألف، وهذا يضاف للأعداد الكبيرة من موظفي الوزارات المختلفة الذين ارتفعت أعدادهم وجزء كبير منهم في أعمار صغيرة، هؤلاء أيضا يبنون الآن خبرات عملية في كيفية التعامل مع الأنظمة السياسية والإدارية للكثير من الدول.
إننا إزاء ثروة بشرية استثمرت فيها الدولة آلاف الملايين، وخادم الحرمين يضع تأهيل السعوديين في أرقى الجامعات في العالم في أولويات الدولة ويشهد على هذا الإنفاق السخي على التعليم والابتعاث.
هذا التوجه للابتعاث ضروري لتكريس الوحدة الوطنية، وهذا ما نتطلع لأن تستثمره وتعكسه السياسة الخارجية السعودية، أي تحويل السياسة الخارجية إلى ميدان رئيسي لصناعة الإجماع الوطني عبر إيجاد مشروع تتوحد فيه الكفاءات السعودية من مختلف المناطق لتحقيق أهدافنا ومصالحنا الخارجية.