رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


سؤال لوزير العمل: ما هو نطاق «سعودي أوجيه»؟

''صمت'' وزير العمل المهندس عادل فقيه عند توليه المنصب. وكان يرفع يده كلما لاحقه الصحفيون في إشارة إلى صومه عن الكلام. وقبل أن يتم عامه ''الوزاري'' الأول ''نطق'' بالألوان فتحول المنطوق إلى ''نطاقات''.
فهل كانت وزارة العمل تهدف فعلا إلى مكافحة البطالة ورفع نسب التوطين عندما أعلنت عن ''نطاقات'' أم أنها كانت تسعى إلى تحقيق مكاسب سريعة quick wins تسكت بها مطالب الناس والإعلام ممن طال ترقبهم لمبادرات من جانب الوزير الجديد؟
إن وزارة العمل تؤكد أن برنامج ''نطاقات'' الذي جرى تطبيقه في 11 يونيو 2011م يأتي ضمن استراتيجية جديدة للوزارة تستهدف المديين القصير والبعيد. فالبرنامج أعاد تقسيم سوق العمل من 11 إلى 41 نشاطا. وقسم حجم المؤسسات إلى خمسة أحجام: صغيرة جدا، وصغيرة، ومتوسطة، وكبيرة، وعملاقة. وحدد لكل منشأة نطاقا (ممتاز، أخضر، أصفر، أحمر) حسب معدلاتها في التوطين. وقد أشادت الوزارة ببرنامجها السحري مسبغة عليه جملة من الصفات (عملي، واقعي، منصف، محفز، وشفاف).
لكن مهلا، الوزارة ذكرت أن ''نطاقات'' يأتي ضمن استراتيجية جديدة. ترى ماذا حدث لاستراتيجية التوظيف السعودية التي وضعت في عهد وزير العمل الراحل د. غازي بن عبد الرحمن القصيبي – رحمه الله – وأقرها مجلس الوزراء في تاريخ 27 يوليو 2009م؟ لقد سبق أن اعتمدتها الدولة وأنا شخصيا أعتبر الاستراتيجية عملا جبارا وشاملا، احتوت على 26 سياسة تطبق على الآماد القصيرة والمتوسطة والطويلة.
فسياسات المدى القصير كانت تهدف إلى السيطرة على البطالة خلال 24 شهرا، فيما كانت سياسات المدى المتوسط ترمي إلى تخفيض معدل البطالة خلال 36 شهرا، أما سياسات المدى الطويل فكانت تسعى إلى تحقيق ميزة تنافسية اعتمادا على الموارد البشرية السعودية خلال 20 عاما.
لكننا لم نعد نسمع عن استراتيجية التوظيف السعودية في ظل الوزير الجديد. بل إن الاستراتيجية برمتها اختفت من ''خطاب الوزارة ومفرداتها'' حالها حال معظم الاستراتيجيات التي ينساها المسؤول قبل الناس بانتهاء حفل الإعلان. ولعل جزءا من أزماتنا الإدارية في العالم العربي، أن الاستراتيجيات ترتبط بالأفراد وليس المؤسسات. وهذا عكس ما هو حاصل في الغرب حيث يأتي المسؤول (الفرد) لينفذ الاستراتيجية الموضوعة منذ أسلافه. نرى أن رؤساء الدول الغربية ووزراء خارجيتها يسيرون على استراتيجيات ثابتة لا تتغير، فهم أفراد ضمن مؤسسات، والمسألة لا ترتبط بمواقفهم الشخصية أو مقدار تعاطفهم مع قضايانا العربية.
سنتان مرتا على الاستراتيجية، أي أن مداها القصير انقضى ولم ينفذ شيء من سياساتها العشر. فأين ذهب كل ذاك الجهد والوقت والمال من وراء إنجاز الاستراتيجية؟
وها هي ذي الوزارة من جديد، تعلن استراتيجية جديدة يأتي من ضمنها برنامج ''نطاقات''. وإذا كان البرنامج يتحلى بمحاسن عديدة (عملي، واقعي، منصف، محفز، وشفاف) فدعونا، نستعرضها في ظل الوضع الراهن لسوق العمل.

''نطاقات''.. عملي
إذا كان ''نطاقات'' عمليا، فهذا يعني أنه قابل للتطبيق. لكن المشكلة أن ''نطاقات'' يعمل ضمن منظومة معلومات الوزارة التي تعمل ساعة وتتعطل أياما. فمنذ بدء سريان البرنامج (11 يونيو 2011م)، تكدست مكاتب العمل بالمراجعين وممثلي الشركات الذين يتدافعون منذ ساعات الصباح الباكرة. وصدمت الكثير من الشركات من عدم قدرتها على تجديد رخص العمل، وبالتالي تأخرها عن تجديد الإقامات، مما ترتب عليه دفع غرامات عن الإقامات المتأخرة. فمن يعوض الشركات عن غرامات التأخير في تجديد الإقامات؟ ومن يعوض أوقات وجهود مندوبي الشركات الذين يتمركزون منذ الخامسة صباحا في طابور طويل، ليفاجأوا بعد ساعات من الانتظار بأن نظام العمل متعطل؟

''نطاقات''.. واقعي
واقعية ''نطاقات'' تفترض أنه خضع لتخطيط وإعداد وتنفيذ مبني على معطيات الواقع. لكن ''الواقع'' خلاف ذلك ، فحسب علمي أنه لم يتم إشراك منشآت القطاع الخاص (وهي المعنية بالدرجة الأولى من ''نطاقات'') لا في عملية التخطيط ولا الإعداد ولا التنفيذ ناهيك عن أي فرصة لتقييم البرنامج بعد التنفيذ.
إن ''نطاقات'' – كما قال د. أحمد العيسى – ''طبخ مكتبيا في بضعة أسابيع''. وقامت الوزارة بالإعلان عنه فجأة وطلبت تنفيذه بطريقة ''خذوه فغلوه'' دون إمهال القطاع الخاص مهلا ''واقعية''. إذ عند الاطلاع على الخطة الزمنية لتنفيذ برنامج ''نطاقات''، نلاحظ التعجل في التطبيق. فمن عمل أو يعمل في الموارد البشرية، وخصوصا في التوظيف، يدرك أن الشركات تحتاج إلى ثلاثة أشهر لشغل وظيفة بموظف مؤهل ومناسب، وتحتاج إلى ثلاثة أشهر أخرى لتجربة هذا الموظف الجديد الذي قد يستمر أو لا يستمر، وإذا استمر تحتاج إلى ستة أشهر على الأقل لتدريبه على أبجديات العمل والتعرف على أنظمة الشركة وإجراءاتها، وهذه كلها سنة كاملة. فكيف للقطاع الخاص أن يتجاوب مع ''نطاقات'' الذي يريد توطين الوظائف بأقصى سرعة.
ما الذي يضر الوزارة لو أشركت القطاع الخاص قبل ميلاد ''نطاقات''؟ ألا تعمد هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات إلى طلب مرئيات العموم في خططها وبرامجها الجديدة قبل التطبيق؟ لماذا لم تحذُ الوزارة حذو الهيئة؟
يبدو أن الوزارة والقطاع الخاص يحتاجان إلى مترجم بينهما. فالوزارة تتكلم بلغة وعقلية حكومية بحتة، والقطاع الخاص يتكلم بلغة ''البزنس'' الذي يدرك أن الوقت من ذهب. ولن يكون الحل ''خصخصة وزارة العمل لكي تفهم لغة القطاع الخاص!'' كما اقترح أحد رجال الأعمال. إنما الحل أن تتكرم الوزارة فتنزل من برجها العاجي وتتفضل مشكورة، بإشراك القطاع الخاص عند التخطيط والإعداد والتنفيذ والتقييم لأي من مبادراتها بدلا من أن تقدم ''سبرايز'' بتغليفة ملونة لأصحاب العمل.

''نطاقات''.. منصف
لقد أثبتت لنا وزارة العمل مرة أخرى أنها تهتم بالسعودة الكمية أكثر من السعودة النوعية. فالوزارة يهمها أن ترى أن معدلات التوطين في الشركات تبلغ 30 في المائة وأكثر، لكن لا يهمها أن تلك النسبة هي انعكاس لشباب سعوديين يعملون برواتب متدنية وفي وظائف إدارية دنيا لا تؤثر إطلاقا في اتخاذ القرارات ووضع السياسات في الشركة. في حين أن غير السعوديين الذين يقبضون رواتب مرتفعة يشغلون الوظائف العليا ووظائف التشغيل والمبيعات والتسويق وغيرها.
لقد جربت بنفسي ودخلت على موقع وزارة العمل وذهبت إلى قسم ''نطاقات'' لأعرف نسب التوطين المطلوبة. فلو افترضنا أن شركة وطنية تعمل في نشاط الصناعات التحويلية (أحد النشاطات التي حددتها الوزارة)، تشغل 550 موظفا، منهم 50 موظفا سعوديا في المناصب العليا والوسطى، فيما يعمل العدد المتبقي (500 عامل أجنبي) في خطوط الإنتاج. فإن هذا يعني أن نسبة السعوديين ستكون 9 في المائة، مما يضع المنشأة في نطاق الأصفر (8-19%)، ولو غادر بعض أولئك السعوديين الشركة ونزلت نسبتها درجتين لوقعت ضمن الأحمر (0-7%).
إذن، نطالب وزارة العمل بالتركيز على السعودة النوعية (الكيف وليس الكم). وهذا يتم باحتساب نسب سعودة أعلى للسعوديين الذين يشغلون وظائف قيادية بدءا من مدير إدارة إلى مدير عام إلى رئيس عمليات وانتهاء بنائب الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي. فقياسا على معادلة الموظف السعودي ذي الاحتياجات الخاصة بأربعة سعوديين، تستطيع الوزارة أن تعادل القياديين السعوديين بالمنوال نفسه. إذ يمكن معادلة مدير إدارة سعودي بخمسة موظفين سعوديين، ومدير عام سعودي بعشرة موظفين سعوديين، وهكذا.
وإذا أخذت الوزارة بتلك الفكرة، فإن هذا يقتضي منها أن تطلب من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تحديث نظام المعلومات الخاص بها، طالما أن الأساس في احتساب نسب التوطين هي بيانات المؤسسة. مع العلم أن نظام التأمينات يشتمل على مسميات وظيفية ''قديمة'' لا يستخدمها القطاع الخاص حاليا (مثل مأمور.. وكاتب ...إلخ) و''محدودة'' لأنها لا تغطي كل المسميات الوظيفية، فنجد مسمى ''مدير شؤون موظفين'' ولا نجد ''مدير موارد بشرية''. والحل أن ُيترك حقل المسمى الوظيفي مفتوحا وفارغا لكي تتمكن كل شركة من تعبئة المسمى الوظيفي الفعلي للموظف فلا تضطر الشركات إلى البحث عن أقرب مسمى وظيفي للموظف عند تسجيله في التأمينات.

''نطاقات''.. محفز
التحفيز أن ''تشجع'' أحدا للقيام بعمل ما. والتحفيز هنا يمكن أن يفهم أنه تحفيز للموظفين السعوديين ولأصحاب العمل. فإذا كان الموظف السعودي هو المستهدف بالتحفيز، فإننا نلاحظ من الحملة الإعلانية للوزارة أن ''نطاقات'' منح الموظفين والعمال الأجانب حرية التنقل من منشآت النطاقين الأصفر والأحمر إلى منشآت النطاق الممتاز والأخضر دون موافقة صاحب العمل، مع مكافأة المنشآت الأخيرة بمنحها مزيدا من التأشيرات. فما هو موقع ''الموظف السعودي'' من الإعراب في ظل هذه التنقلات والتأشيرات؟ ألن يزاحمه الأجانب في العمل إذا كان يعمل في إحدى منشآت الممتاز أو الأخضر؟ وكيف سيستقبل الوافدين الجدد؟
أما إذا كان صاحب العمل هو المقصود بالتحفيز، فإن التحفيز ينتفي إذا استخدم أسلوب الوعيد والتهديد والقول بأن 40 في المائة من المنشآت ستخرج من السوق بعد تطبيق ''نطاقات''. فالوزارة عادت تلوح بالعصا على القطاع الخاص، محذرة إياهم من قفل ''صنبور'' التأشيرات عن المنشآت المخالفة.
يا سادة يا كرام.. إن أكثر المعارك خسارة هي تلك المعركة التي يأتي فيها صاحب المال خصما. صاحب المال هو صاحب الحلال وهو المالك طالما أنه كسب ماله بطريقة قانونية. لا يريد أحدا ''يفرض'' عليه من يوظف ومن يعين. ولقد أثبتت لنا دروس الاقتصاد بشقيه الاشتراكي والرأسمالي فشل الحكومات في مواجهة رجال الأعمال. بل إن أقطاب المال والأعمال تحالفوا وأسقطوا حكومات في العالم كانت تسعى إلى الحد من أنشطتهم. وفي زمن العولمة، تصبح مجابهة رجال الأعمال بأسلوب التهديد والفرض ضربا من الحماقة. فرجل الأعمال يملك من المال ما يفتح له الأجواء والدول. وإذا حاول أحد مضايقته أو معاندته هنا، فربما هاجر وعاد إلينا يوما ما بصفة ''مستثمر أجنبي''، وعندئذ لن يتكلم أحد معه عن السعودة. ألم يقل محافظ الهيئة العامة للاستثمار إن الهيئة ليست معنية بالسعودة (من باب ''ما لي دخل'')؟
إذن، نكرر مطلبنا السابق من وزارة العمل بأن تدخل في شراكة استراتيجية مع القطاع الخاص وأن تقوم هذه الشراكة على أسس التحفيز والتشجيع، والابتعاد عن أسلوب التهديد والوعيد لأنه أسلوب أثبت فشله في تحقيق أهداف السعودة. بل إننا ندعو أن تمتد شراكة الوزارة مع القطاع العام، ومنها الهيئة العامة للاستثمار لكي تصبح معنية فعلا بالسعودة.

نطاقات''.. شفاف
ما هو نوع الشفافية التي سيكشفها ''نطاقات''؟ هل ستقتدي الوزارة بشفافية هيئة السوق المالية (التي تكشف عن كبار الملاك في الشركات المساهمة) فتكشف لنا الوزارة عن مستوى التوطين في الشركات العملاقة التي لا نرى السعوديين فيها إلا ''معقبين'' أو ''حراس أمن''؟ هل ستكشف لنا وزارة العمل عن نطاق ''سعودي أوجيه'' مثلا؟
إن من أهم مقومات تعزيز الشفافية توافر التشريعات الكافية. فما هو التشريع الذي تستند إليه الوزارة لدعم تلك الشفافية؟ هل هو نظام العمل الحالي؟ إن نظام العمل القديم الصادر عام 1969م والحالي الصادر عام 2005م متماثلان تقريبا في اللفظ والمعنى. وما أدل من ذلك إلا أن النظام الحالي لا يزال يستخدم مفردات من ستينيات القرن الماضي.. كـ ''الأجر'' بدلا من الراتب.. و''العامل'' و''العمال'' كما لو أنه لا يفرق بين رئيس تنفيذي وعامل يشغل آلة كبس في مصنع.. والمنشأة بدلا من الشركة أو المؤسسة أو الكيان.
إن القارئ الحصيف لنظام العمل يدرك أن النظام صيغ في مرحلة كانت فيها ''أرامكو'' صاحب العمل الوحيد في القطاع الخاص السعودي. وبالتالي كان لا بد للنظام أن يكون صارما مع ذلك ''العملاق'' حماية لحقوق السعوديين الذين كانوا ذات يوم أقلية. لكن الوضع الآن – ولله الحمد - اختلف سواء في ''أرامكو'' أو في سوق العمل. وكلنا يعلم أن القوانين يجب أن تكفل حقوق كل الأطراف المعنية. فإذا جنح القانون لطرف على حساب طرف آخر، لفقد مبدأ العدالة، وبالتالي لا يصبح قانونا.
نظام العمل الحالي يحمي الموظفين الكسالى ولا يحمي حق صاحب العمل الذي قد يرى أن توظيف السعوديين هو ''تدبيسة''، لأنك لا تستطيع أن تفصل السعودي إلا بعدم تجديد عقده المحدد المدة أو ووفقا للمادة (80) من النظام إذا ارتكب مخالفات جسيمة أو إذا كان سبب الفصل سببا ''مشروعا''، رغم أن النظام لم يوضح ما هو السبب المشروع وتركه مفتوحا لتأويلات هيئات تسوية الخلافات العمالية.
يجب أن تكون العلاقة العمالية التي تربط صاحب العمل والموظف السعودي علاقة يمكن لأي طرف فسخها لسبب أو غير سبب. فتوظيف السعوديين ليس ''زواجا كاثوليكيا'' لا انفكاك منه إلا بالموت. بل يجب أن يملك صاحب العمل الصلاحيات القانونية التي تكفل له إنهاء خدمات الموظفين الكسالى والمتلاعبين الذين يركزون على الحضور إلى العمل ولا يكترثون بالإنتاجية في العمل. وفي الوقت عينه ُيحمى الموظفون السعوديون المثابرون والمجتهدون الذين نعتز بهم ونعتبرهم مفخرة ونموذجا ناجحا في السعودة.
معالي الوزير ..
نعلم وأنتم تشارفون على إتمام عامكم الأول أن مهمتكم ثقيلة أعانكم الله..
معالي الوزير..
ثقوا تماما بأننا نتفق معكم على الهدف (التوطين) لكننا نختلف معكم في الوسيلة (نطاقات)..
أعانكم الله..

كاتب ومتخصص في إدارة الموارد البشرية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي