تحذير من خطورة الاستمرار في توظيف الودائع السعودية في استثمارات خارجية
حذر اقتصاديون من مخاطر الاستمرار في توظيف الودائع السعودية في الاستثمارات الخارجية، وسط مخاوف من تدهور الأوضاع الاقتصادية في ظل الاضطرابات السياسية والمالية، التي تمر بها دول منطقة اليورو، وإعلان أكثر من 40 مصرفا ومؤسسة مالية إفلاسها في أمريكا منذ مطلع العام الجاري.
وشددوا في حديثهم لـ"الاقتصادية"، على ضرورة التوجه إلى سياسة التحوط، والتفضيل النقدي في محاولة للحفاظ على الثروات وتقليص حجم الخسائر في وقت يعتبره المراقبون الاقتصاديون محفوفا بالمخاطر ضمن الظروف الراهنة.
وأوضح الدكتور علي التواتي، الخبير الاقتصادي، أن غالبية المصارف المحلية تستثمر في الاقتصادي الغربي، بنسبة 90 في المائة في السوق الأمريكية، و10 في المائة في الأسواق الأوروبية؛ ما يعرضها لمخاطر أكبر، مشيرا إلى أن المخاطر في الاستثمار الخارجي نوعان، المخاطر الاقتصادية التي تنشأ عن التقلبات الاقتصادية العالمية التي يرجعها للدورات الاقتصادية في تلك الدول، بجانب المخاطر التي تدخل فيها المشاكل الجغرافية السياسية، فبعض المناطق تصنف بأنها مناطق صدامات، على الرغم من أن ربحية الاستثمار فيها عالية، لكن المخاطر أيضا مرتفعة جدا.
وقال: إن هناك مؤشرات مخيفة تدعو إلى ضرورة الحذر وعدم التسرع والدخول في استثمارات ذات مخاطر عالية؛ إذ إن عدم الاستقرار السياسي في المنطقة والتوقعات بأن تتعرض منطقة اليورو إلى مزيد من الهزات المالية بسبب تعاظم الديون في أوروبا، إضافة إلى المشكلات التي تمر فيها أمريكا، خاصة أن بيانات التوظيف فيها، تعطي دلالات أن البطالة بدأت ترتفع لتصل إلى 10 في المائة ينبئ بمنعطف خطير ينعكس على الإنتاجية وثقة المستهلكين؛ مما يضعف الإنتاج، ويخشى من تداعياته على الاستثمارات الأخرى، فهناك 90 في المائة من الاستثمارات السعودية للبنوك في أمريكا معرضة لخطورة عالية.
وأشار إلى أن الخوف أخذ يتصاعد مع بدء عدد من البنوك الأمريكية إعلان إفلاسها، حيث تجاوز عدد البنوك 40 بنكا أمريكيا منذ بدء العام الجاري، محذرا من المخاطر والتقلبات الاقتصادية المتوقعة خلال الفترة المقبلة التي قد تكون قوية.
ونصح بأن يتوجه المستثمر السعودي والمؤسسات المالية، للاستثمار محليا قدر المستطاع، فهناك قطاعات ما زالت بكرا حتى الآن ولم تستثمر، ولن تقل ربحيتها عند استثمارها عن 20 في المائة، لتكون إحدى المناطق الاستثمارية الآمنة في الظروف الحالية، وإن هذه القطاعات تتمثل في الصناعات الخفيفة بكل أنواعها، وقطاعي السياحة والخدمات، مشيرا إلى أن قطاع الخدمات في الدول المتقدمة يعتبر من أكبر القطاعات الاستثمارية والأكثر ربحية؛ لذا تعد من أهم الاستثمارات محليا فلا بد من تطويرها.
وبيّن أنه في ظل الاضطرابات السياسية والاقتصادية العالمية على المستثمرين الذين يخشون الاستثمار محليا أن يحافظوا على ثروتهم بالاتجاه إلى سياسة التفضيل النقدي، وإذ كان ولا بد من الاستثمار حتى لا تتآكل ثروتهم في نطاق الحسابات الجارية، فعليه أن يتجه إلى الاستثمار في العملات المختلفة، بحيث إذا انخفضت عملة ترتفع أخرى، وبذلك يخفف من عملية تناقص القوى الشرائية للريال بسبب الضعف الشديد للدولار.
ويرى التواتي أن المحافظة على الثروات المحلية في الوقت الراهن هي إحدى الطرق للنجاة لحين تعافي الاقتصاد وزوال الاضطرابات، كأفضل السبل للخروج على مأزق الأزمات المالية، مشيرا إلى أنه في الوقت الراهن لا بد من المحافظة فيه على الثروات الموجودة والبعد عن فكرة البحث عن الربح السريع أو الدخول في دوامة المضاربة؛ كون الأمور ما زالت غير واضحة وأسعار المعادن النفيسة مرتفعة جدا، وقد يكون هبوطها مرعبة.
وتوقع أن تشهد المنطقة استقرارا سياسيا واقتصاديا في غضون السنوات الأربع المقبلة، وأن الظرف الحالي يلزم المستثمرين بالمزيد من الحذر إلى حين ظهور بيانات اقتصادية واضحة تشير إلى تعافي الاقتصاد العالمي وانفراج أزمة الديون الأوروبية، وبدا التوظيف بشكل جيد في بالاقتصاد الأمريكي لتتحرك عجلة الإنتاج، حينها يمكن العودة للاستثمار من جديد خارج نطاق الملاجئ الاقتصادية.
من جانبه، أوضح الدكتور زياد حافظ، الباحث الاقتصادي، أن المخاطر التي تنتج من توظيف الودائع السعودية في الخارج والتي يصفها بالمخاطر الكبيرة، وعلى أصحاب تلك الأموال معرفتها، فمنها المخاطر السياسية التي قد تهدد تلك الأموال، ففي الحد الأدنى يقلل من القدرة على الرقابة على توجهات الاستثمارات، حيث يشير حافظ إلى ما قام به وزير المالية الأميركي هنري بولسي في صيف 2008 عندما استدعى رؤساء الصناديق السيادية الخارجية وطلب منهم الاستثمار في الأسواق الأمريكية؛ ما يؤكد خضوع الصناديق المصنفة "سيادية" لإملاءات سياسية فكيف هو حال الاستثمارات الخاصة، مبينا أنه إذا ما اقتضت الحاجة السياسية يمكن للدول الغربية تجميد واحتجاز الأموال تحت حجج واهية.
وبيّن أن الأجهزة الرقابية في الدول الغربية، خاصة في الولايات المتحدة باتت عاجزة أمام "عبقرية" المضاربين، فالفضائح المالية المتكررة خير دليل على "نسبية" فعالية أجهزة المراقبة، كما ليس هناك من يضمن عدم تكرار أزمة الرهونات العقارية، منوها إلى ضعف الاقتصاد الأوروبي والأمريكي، فالأخير يواجه اقتصادها مصاعب كبيرة تنذر بكوارث مالية؛ إذ إن أزمة الدين العام للخزينة الأمريكية والسقف المحدد قانونا؛ لذلك الدين يهدد الحكومة بالإفلاس في 30 حزيران (يونيو) إذا لم يقدم الكونجرس الأمريكي على رفع سقف الدين.
ولفت حافظ، إلى أن السؤال الذي يواجهه المستثمر السعودي خاصة هو مدى سيطرته على مجرى الأمور في الاقتصادات الخارجية؛ لذلك المستثمر السعودي ومعه المؤسسات المالية السعودية مدعوة للاستثمار أولا في توسيع الرقعة الإنتاجية للاقتصاد الوطني، حيث إن التوازن وتوزيع المخاطر جغرافيا وقطاعيا يجب أن يكون نصب أعين المستثمرين السعوديين.
وأشار إلى المخاطر ذات الطابع التقني؛ إذ إن الاستثمار في قطاعات لا يمكن السيطرة على مجرى أمورها تعتبر مخاطرة كبيرة، واستمرار المؤسسات المالية والمستثمرين من الإفراد بالاستثمار خارجيا يعني أن هنالك ثقة أكثر من المطلوب في اقتصاديات الخارج أكثر من الاقتصاديات المحلية، وهذا ما يجعل حقيقة الوضع الراهن لتلك الاقتصاديات مغيبا نوعا ما عنهم، مؤكدا أنه بات على المصارف السعودية أن تبذل مجهودا أكثر للاستثمار الوطني، حتى وإن كانت المرحلة الأولى صعبة، وتكون فيها الطاقة الاستيعابية غير كافية، لكن تعتبر خطوة تدريجية لتوسع في رقعة الاستثمار الداخلي المتراكم على المدى البعيد، منوها بأن الدول الكبرى في المراحل الأولى من نموها كانت تستثمر في اقتصادياتها المحلية، والفائض توظفه في الاستثمار الخارجي، على عكس الاقتصاد السعودي الذي كانت القفزة مباشرة من الفوائض التي التوظف في الخارج، وهذا يعرض الاقتصاد الوطني لمخاطر كبيرة.
من جهة أخرى، طالب يوسف قسنطيني، الخبير الاقتصادي والمحلل المالي، بمزيد من الحذر عند الاستثمار في الصناديق المحلية التي تتداول في سندات أو سلع أو ودائع أجنبية، يتم تقييم محتويات هذه الصناديق بعملة أجنبية أو سلة عملات أجنبية، وهنا يجب الأخذ في الحسبان مخاطر العملات التي يقيّم بها محتويات هذه الصناديق؛ لأنه في النهاية سيتم إعادة تقييم هذه الصناديق للمستثمر بالريال السعودي، وربما كانت هذه الاستثمارات ناجحة ومربحة، لكن فرق سعر الصرف قد يجعل هذا الاستثمار خاسرا وغير مربح.
وأوضح، أنه على الرغم من ذلك فهناك العديد من المخاطر غير مخاطر تذبذب العملات التي قد يتعرض لها المستثمر في الصناديق المحلية التي تتداول في سندات أو سلع أو ودائع أجنبية منها مخاطر محتوى الصندوق، سواء كانت سلعا أو عملات أو سندات أو أسهما، والمخاطر الجيوسياسية التابعة للدولة المستثمر فيها والوضعين الأمني والسياسي.
وبيَّن قسنطيني، أن من المخاطر الاستثمارية التابعة لسياسة الاستثمار، سياسة متحفظة أو ذات مخاطر مرتفعة، وأدوات الحماية المتاحة، مثل استعمال الخيارات والعقود الآجلة، ومخاطر استعمال الرافعة المالية وغيرها، مثل مخاطر الأدوات المالية؛ إذ لا بد من معرفه هل السندات مدعومة أو مضمونة ومن قبل أية جهة، إضافة إلى مخاطر القرصنة.