حلول مشاكل المعاهد الصحية موجودة ولكن من سينفذها ومتى؟
في عالمنا العربي تعودنا أن نرحل المشاكل إلى ما شاء الله من وقت، بحلول وقتية أو تساؤلات تعجيزية. وعندما تتفاقم المشكلة نبدأ بإخلاء المسؤولية وكلنا كان مسؤولا. ما يؤلم حقا هو أننا في كثير من الأحيان نعزف عن أن نتعلم من الأخطاء فنستمر في الترحيل ونرتكب أخطاء أكبر تصل وقتها إلى المساس بمصائر الموارد البشرية. الأمر الذي يستدعي التوقف للتدخل المنطقي والمنهجي لحل الإشكال بشكل جذري، ولكن يبقى من يعلق الجرس. السؤال هنا: ما الذي يجعل المسؤول يرحل المشكلة لوقت آخر بقرار يظنه أن لا بديل له في الأفق؟. الجواب يكمن في إحدى الحالات التالية أو مجموعها: (1) ضعف القاعدة المعلوماتية أو عدم دقتها أو شموليتها، (2) عدم اكتمال الصورة في ذهن صاحب القرار سواء نتيجة سوء عرض أو عدم ثقة في معدي التقارير والدراسات أو تشتت مسؤوليات بين جهات مختلفة، (3) رؤية شخصية متفردة لم تستند إلى دراسة واقعية أو سؤال خبير له باع طويل في القضية. (4) التحسس من البدائل التي يعتقد أنها قد تتسبب في مشاكل أعمق، وبالتالي لا بد من تجنب الأسوأ، (4) التأخر في إصدار القرار المناسب في الوقت المناسب، على الرغم من أن الحلول قد شرع في حلها بشكل فردي أو غير رسمي. (5) ضغط الميزانية وعدم توازن مخصصات البنود والأبواب وتفاعلها مع الأحداث حسب حجمها الطبيعي. وأمور أخرى لا يسع المجال لسردها ومناقشتها قد تحتل مكانة متأخرة عما ذكر.
في موضوع المعاهد الصحية ومخرجاتها فقد تم التنويه عن توقع ظهور مشكلة منذ أكثر من سبعة أعوام إلا أن النقاط الخمس المذكورة أعلاه كانت حاضرة ومساحة التحرك كانت في حلقة مفرغة. الآن وقد نشر عن أن وزارة الصحة لديها حل يتجه في أربع مسارات، آملين في حل المشكلة فقد يكون من الأفضل اتخاذ قرار في ذلك حتى نتمكن من استيعاب الخريجين عن رضا تام في أقصر وقت وبأذكى الحلول وأنجع الوسائل وما يحقق تقديم خدمات صحية أفضل. مع أن لي ملاحظات عدة يمكن أن تستفيد منها اللجنة المتوقع تكوينها، إلا أن وجود مبادرة من قبل الوزارة (وتشكر على ذلك) يستلزم أن تكون البداية في أقرب فرصة ممكنة فبنهاية الفصل الدراسي الحالي والفصول التالية ستزداد المشكلة حجما.
بعيدا عن الملاحظات هناك ما يستوجب الاهتمام به بالتوازي مع الشروع في الحل، وهو: (1) صحة ودقة الأرقام التي تذكر في أي تقرير عن الأعداد من دون الرجوع إلى الأصول كالشهادات ورخص العمل وملفات المتقدمين للعمل، ومقارنتها بتلك التي أرشفتها المعاهد والكليات. أن اللبس قد يحصل في خلط المخرجات بين معاهد وكليات متخصصة وغير متخصصة، قديمها وحديثها، عامها وخاصها، وبمستويات تعليمية مختلفة، ومخرجات محلية وخارجية... إلخ، وبالتالي الأرقام هي أساس وضع الاستراتيجيات والخطط بجميع أنواعها. (2) وضوح الرؤية لدى المسؤولين عن القطاع الصحي في جميع الجهات وإصرارهم على التقدم بوحدة فكرية مستقبلية شمولية وبالذات فيما يتعلق بالقوى العاملة ومصائرهم. هذا سيؤمّن تخطيطا استراتيجيا جيدا وسيقارب بين المطلوب والمحقق وسيقلص الفارق عاما بعد عام وستتحمل الجهات (الحكومية والأهلية) المسؤولية بشكل متوازن. (3) تقارير تقويم المعاهد والكليات الصحية (العامة والخاصة)؛ حيث تشمل التقويم الأساس لكل مؤسسة صرح لها بالتعليم والتدريب. هذه التقارير ستسهم في وضع الحلول للمعاهد القائمة وما زالت تخرج الأعداد الكبيرة دون دراسة للاحتياج كما ونوعا وجنسا وموقعا. عدم وجودها أو عدم الاعتماد عليها يقلل من مسؤولية الخريج الذي وصف بـ ''ضعيف المهارة أو قليل المعرفة''!. (4) التراخيص: هذه أن تمت في معزل عن التوجه الأساس بأن الاستراتيجية تقتضي أن يتخرج ''كذا'' ممارس صحي بتاريخ ''كذا'' في التخصصات ''كذا'' ليقوموا بالمهام ''كذا'' في المواقع ''كذا'' (وتفند الأعداد حسب المرافق الصحية المختلفة)، في المناطق ''كذا''، ومن ثم يكون تطويرهم عبر تسجيلهم في برامج ''كذا'' المعدة من قبل مهنيين وأكاديميين مختصين في كل تخصص... إلخ، فإن كل جهة تمتعت بحق الترخيص أو يعتمد الترخيص على جزئية من عملها ستتحمل في تنفيذ الحلول بعض التبعات لعدم تحقيق هذا التوجه أساسا أو السير نحو أبجدياته. كما لابد من مراجعة صياغة هذه التراخيص لأنها الآن لدى جهة مختلفة ولا بد من اغتنام الفرصة للتحسين والتطوير. (5) السياسات والإجراءات والهياكل التنظيمية. دائما ما تعيدنا هذه الجزئية لنقطة الصفر فنجد أنها مثلا تجمدت عند وقت معين ولم يعر المسؤولون في ذلك الوقت أي اهتمام لها إلى أن أصبحت قضية شائكة وأصبح من الصعب القيام بأي تعديل لأن الحالات تستلزم حلها كل على انفراد وهذا صعب في أرقام تتعدى العشرة حالات فكيف بعشرات الألوف؟. لذلك إذا ما أردنا الشروع في الحلول فلا بد علينا أن نهتم أيضا بهذا المحور العام وبأسلوب منهجي ومتخصص. (6) المخصصات وأسلوب الإنفاق. بالنسبة للقطاع الحكومي فما تراه إدارة مهماً تقدره أخرى بأقل أهمية. أما القطاع الخاص (ولا أعمم)، فمع علمه بأن التعليم الصحي أو الطبي تعليم مكلف إلا أن هناك فئة تصر على أن هذه الصناعة مربحة للحاجة لها، وقد يكفي لها معاناة تخريج دفعة أو دفعتين، ومن ثم تتحول لأنشطة مربحة أخرى. هنا يمكن القول إنه لا توجد مقاييس علمية تحدد الأولويات للسير باستراتيجية يجتمع عليها القطاعان لتنفيذها لمصلحة هذا المجتمع المتحضر الواعي. والله المستعان.