الاقتصاد المعرفي .. طريق لخلق الوظائف
اليوم سأتحدث عن مجال أسهب فيه العرب في بحوثهم ودراساتهم الجامعية، لكننا لا نراهم إلا في آخر القائمة من دول العالم عند تصنيف الدول في استخدام هذا المجال المتمثل في الاقتصاد المعرفي، الذي يعرف بنشر وتكوين وتبادل المعرفة كنشاط اقتصادي، ويقوم على فهم جديد أكثر عمقا لدور المعرفة ورأس المال البشري في تطور الاقتصاد وتقدم المجتمع.
إن دول العالم التي يطلق عليها متقدمة، لم تقف عند تقدم الصناعة لديها، إنما أخذت على عاتقها في البحث عن مجالات اقتصادية تكون ركيزة لها للمحافظة على تقدمها، فبدأت بالاستثمار في الاقتصاد المعرفي، الذي يعرف أيضا بمرحلة ما بعد الصناعة، وذلك نتيجة للتطور الهائل في العلم والتكنولوجيا، فركزت على هذا الاقتصاد الذي تشكل فيه المعرفة مكونا أساسيا في العملية الإنتاجية، وفي زمن أصبح فيه تأثير العلوم والتكنولوجيا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية كبيرا جدا.
إن التغير السريع والمتواصل في المعلومات والتكنولوجيا وتقدمهما في آن واحد، أثر بشكل كبير في نمط حياة الإنسان ونوعيتها، حيث أصبح عامل التطور المعرفي أكثر تأثيرا في الحياة من بين العوامل الأخرى، سواء كانت مادية أو طبيعية، وبات كل من المعلومات والتكنولوجيا موردا أساسيا من الموارد الاقتصادية، وعامل جذب واستقرار للاستثمارات، إذ حولتا المجتمعات إلى اقتصاديات مبنية على المعرفة والتكنولوجيا وفرضتا شروطا تنافسية جديدة.. وكي نلحق بالركب لا بد لنا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، عن طريق توفير البيئة المناسبة والتقنيات التي تسمح بنمو وازدهار صناعة المعلومات، واستغلال الدعم الكبير الذي يوجهه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - أطال الله في عمره - لتطوير المعرفة والمنافسة عالميا، من خلال ما افتتح من جامعات عملاقة ومراكز للبحوث والعلوم، وجهده المتواصل - حفظه الله - في تحقيق الحلم بأن تصبح المملكة، مملكة العلم والعلماء، ونبراسا للعلوم والتقنية، ومقصدا للباحثين وطالبي العلم.
لو بحثنا في هذا الاقتصاد، لذهلنا مما وجدناه، من خلال العوائد الكبيرة التي تجنيها الدول عن طريقه، ففي عام 1999 كانت صادرات الهند من الأشياء غير الملموسة (السوفت وير) تبلغ نحو 1.5 مليار دولار وبعد عشرة أعوام تقريبا، أي في عام 2010 بلغت صادراتها نحو 70 مليار دولار، ألا يعتبر ذلك خير مثال لمجال اقتصادي يتنامى مع مرور السنين؟ ناهيك عن عمل هذا الاقتصاد المعرفي على خلق وتطوير رأس المال البشري بنوعية عالية، فالوظيفة الرئيسة تخلق ما يقارب ست وظائف مساعدة.. وهكذا .. فعملت الشركات العالمية الكبرى على التركيز على جانب المعرفة والاستثمار فيه من خلال العنصر البشري، حيث ساهمت في تمويل جزء من تعليم العاملين لديها ورفع مستوى تدريبهم وكفاءتهم، إضافة إلى تخصيص جزء مهم من استثماراتها للبحث العلمي والابتكار، إذ أصبحت الأصول المهمة في الاقتصاد الجديد هي المعرفة، والإبداع، والمعلومات.. فالبرامج التكنولوجية والحاسب الآلي، والنشر الإلكتروني وخدمات الاتصالات، وإنتاج المعالجات الرقمية، والخدمات الإلكترونية للبنوك، وغيرها من المجالات التقنية والعلمية، تفوقت في أهميتها على أساس الاستثمار سابقا المتمثل في رأس المال.
إنه لا سبيل للتطور والنمو ومواجهة تحديات العصر، إلا من خلال الاستثمار في المعرفة، واستغلال ثورة المعلومات والتكنولوجيا الهائلة، التي من خلالها نخلق وظائف ذات دخل عال، فنحن هنا في مملكتنا الحبيبة نسير على الخطى الصحيحة .. لكن لا بد لنا أن نسرع قليلا.