اقتصاديون: ضبابية الاقتصاد العالمي توقف الاستثمارات المستقبلية للشركات
أكد اقتصاديون أن الاقتصاد العالمي يعيش في الوقت الراهن حالة من الضبابية الكبيرة فيما يتعلق بالرؤية المستقبلية على المديين القصير والمتوسط، مما أجبر معظم الشركات على إيقاف استثماراتها المستقبلية في ظل حالة عدم اليقين.
وأفاد الاقتصاديون في حديثهم لـ "الاقتصادية" أن حالة التراجع الاقتصادي التي يعانيها الاتحاد الأوروبي، المتمثلة في الديون الحكومية والعجز الإنفاقي ينذر بأن اتحاد اليورو سيشهد أزمات متتالية لسنتين قادمتين على أقل تقدير.
فيما يثير تهاوي الدولار الأمريكي وتجاوز الدين للناتج المحلي القومي مخاوف معظم دول العالم والمستثمرين على استثماراتهم المقومة بالدولار، مشيرين إلى أن آراء أفضل المتفائلين من الخبراء تؤكد أن الاقتصاد الأمريكي سيعاني خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ولفت الخبراء إلى أنه بحسب المعطيات الحالية فإن انهيار الدولار أمر متوقع، وهو ما سيترتب عليه نتائج كارثية، محذرين من الاستخفاف بآراء الاقتصاديين، وأن هذه حقائق اقتصادية لا يمكن إنكارها، ويجب الاستعداد قبل الانهيار - على حد قولهم.
أما بالنسبة لآثار ذلك في الشرق الأوسط والسعودية، يرى الاقتصاديون أن الرؤية ستكون أكثر ضبابية وأكثر تخوفاً، وستجد الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة صعوبة أكبر من الشركات العالمية، الأمر الذي يؤكد أن العالم اليوم أمام أزمة في التوقعات الاقتصادية والمالية.
ويفيد الدكتور وديع كابلي أستاذ الاقتصاد والتمويل في جامعة الملك عبد العزيز، بأن المرحلة المقبلة ستكون صعبة جداً بالنسبة للاقتصاد العالمي بشكل عام، ويضيف "يواجه الاقتصاد الأوروبي مجموعة كبيرة من المشكلات تنحصر في الديون الحكومية أو العجز الإنفاقي الحاصل في معظم دول أوروبا دون استثناء عدا ألمانيا، أما بقية الدول فتشهد ميزانياتها عجوزات كبيرة متراكمة: اليونان مرشحة للزيادة، إسبانيا، البرتغال، إيرلندا، إلى جانب إيطاليا وفرنسا، وهذا يعني أن الاقتصاد الأوروبي سوف يواجه أزمات متتالية على الأقل في السنتين المقبلتين".
ويتابع "بالنسبة للاقتصاد الأمريكي فإن وضعه يدعو للخوف والقلق، وهناك آراء تفيد بأن الاقتصاد الأمريكي على وشك الانهيار، والبعض الآخر يعتقد أنه سيواجه مشكلات كبيرة خلال السنتين أو الثلاث المقبلة، وهذا ما يجعل الوضع الاقتصادي العالمي يعيش ضبابية كبيرة فيما يتعلق بالرؤية المستقبلية".
ويشير كابلي إلى أن من أساسيات الاقتصاد وضوح الرؤية المستقبلية على المديات القصير والمتوسط والبعيد، مضيفاً "لأن ما يحرك الاقتصاد هو الشركات الصغيرة، المتوسطة أو الكبيرة، التي لا تقدم على الاستثمار وزيادة الإنتاج ما لم تتوقع زيادة واضحة في المبيعات، فقدرتها على التوقع في ظل هذه الضبابية أصبحت منخفضة أو "معطلة"؛ مما يعني ترددا كبيرا في الاستثمار والتوظيف، لأن ذلك يمثل التزامات مستقبلية متوسطة أو طويلة المدى أو حتى قصيرة المدى، لا تستطيع المؤسسة أو الشركة القيام بها ما لم يكن لديها تصور أو توقع ما الذي سيقابلها خلال السنوات الخمس المقبلة على أقل تقدير".
ويؤكد الدكتور وديع كابلي أن حالة عدم وضوح الرؤية موجودة الآن وتؤدي إلى تردد في اتخاذ القرار؛ وبالتالي تدفع الشركات أو الأفراد إلى ممارسة الإنفاق بشكل يومي، وقال "بالطبع ليس أسلوباً صحيحاً اقتصادياً وعدم وضوح الرؤية له آثار مستقبلية بلا شك، وهو ما يجعلنا نتخوف ونتوقع أزمات مالية واقتصادية متتالية، وأن العالم لن يخرج بسهولة من الأزمة المالية".
وأردف "نحن أمام أزمة في التوقعات الاقتصادية والمالية، وأصحاب القرار الاقتصادي أو المالي يحتاجون للتوقعات المستقبلية وماذا سيحدث غدا".
ويوضح أستاذ الاقتصاد والتمويل في جامعة الملك عبد العزيز، أن البطالة تعتبر أكبر قنبلة موقوتة تواجه الاقتصادات الخليجية، خصوصاً العمالة الوطنية. وتابع "صرح وزير العمل بأن نسبة البطالة تتجاوز 15 في المائة، وكاقتصاديين نعتبر أن أي نسبة تفوق 10 في المائة خطيرة جداً، البطالة هي أم المشكلات الاقتصادية، المالية، الاجتماعية، والسياسية وغيرها".
وفيما يخص أثر الأزمة الأمريكية في الاستثمارات السعودية، قال كابلي "المخاوف كبيرة جدا من انهيار الدولار. حالياً الحكومة الأمريكية تقوم بطبع الدولار دون أن يقابل ذلك إنتاج في الاقتصاد الحقيقي، الأمر الذي يؤدي إلى التضخم، عندما كانت قاعدة الذهب كان هنالك مقابل مادي هو الذهب والفضة، أما اليوم طباعة النقود مرتبطة أساساً بقدر الإنتاج، عملتنا مرتبطة بالدولار، وانهياره يعني انهيار الريال السعودي معه، إضافة إلى أن ذلك يعني أن انهيار الدولار هو انهيار لجميع استثماراتنا في الولايات المتحدة الأمريكية، انهيار أمريكا اقتصادياً يعني انهيار المنطقة برمتها لأن النفط أساساً يسعر بالدولار، وما نراه اليوم من ارتفاع للنفط ليس ارتفاعاً وإنما هو انخفاض لقيمة الدولار أمام النفط".
ويضيف الدكتور وديع "بحسب المعطيات الحالية نرى انهيار الدولار متوقعا، وهو ما ستترتب عليه نتائج كارثية، ولذلك نحن نحذر كما حذرنا عندما ارتفعت سوق الأسهم السعودية وأن هناك انهيار كارثي، ولم يتم أخذه على محمل الجد، لكن لا يصح إلا الصحيح وهذه حقائق اقتصادية لا يمكن إنكارها، عندما نرى الطوفان نحذر للاستعداد وعدم الانتظار حتى حصوله، في الاقتصاد هناك حلول لكل مشكلة، لكن المهم البدء في وسائل العلاج والوقاية، وأن تكون مستعداً لأي مشكلات قادمة".
من جانبه، يشير الدكتور مقبل الذكير أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز، إلى أن منطقة اليورو لا تزال تعاني بشدة، وخصوصاً اليونان التي تتفاقم الأزمة فيها بشكل يثير المخاوف، وتابع "بالنسبة للدين الأمريكي فإنه بلا شك يقلق معظم دول العالم، كون الناتج الإجمالي الأمريكي يصل إلى 14 تريليون دولار يليه الناتج الصيني بـ خمسة تريليونات دولار، ولك أن تتصور الفرق بين الأول والثاني لترى أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال المسيطر عالمياً ولا يمكن الاستغناء عنه في وقت قريب. وفيما يخص الاستثمارات المقومة بالدولار فإن معظم الدول أصبحت تنوع سلال استثماراتها ولا تضعها في سلة واحدة، أما الأفراد فإنهم يستثمرون في مجالات ذات عوائد مجزية ولديها قدرة على تعويضهم في حال انهيار الدولار".