دراسات تستعرض دور فناء المسجد في توفير الطاقة الكهربائية
تواصل ''الاقتصادية'' توعيتها بترشيد الكهرباء في المساجد، وتتناول في حلقتها الخامسة جوانب أخرى من جوانب العمل على ترشيد الكهرباء المتمثلة في دراسات قائمة يمكن الاستفادة منها، مثل دور فناء المسجد في ترشيد الكهرباء والتهوية التي كان يعمل بها في المساجد القديمة، حيث ضمت جوانب مهمة في قضية الترشيد والتوعية به، منها دراسة للمهندس علي عثمان الناجم عضو الجمعية السعودية لعلوم العمران والهيئة السعودية للمهندسين، حيث تحدث لـ ''الاقتصادية'' عن دراسته ''إعادة صياغة المفاهيم العمرانية في المدينة الخليجية لتحسين أدائها الوظيفي وقيمها الجمالية''، التي خصص جانبا منها للحديث عن المسجد، يقول في دراسته: لقد استخدمت الأفنية الداخلية في معظم المباني التراثية في مختلف العالم الإسلامي، ويرجع ذلك إلى تقارب المناخ في هذه المناطق، وجودة هذه العمارة يوضحها حسن فتحي في (الطاقات الطبيعية والعمارة التقليدية) مقارنة بالعمارة الوافدة إلى البيئة المحلية المعاصرة. وأضاف أن المناخ عامل مسيطر في التخطيط التقليدي للمدينة، لذا يلاحظ وجود انتظام في النسيج الحضري في كل المناطق الحارة الجافة. ويتميز تخطيط المدينة التقليدي في تلك المناطق بمظهرين اثنين: الشوارع الضيقة والأفنية الواسعة المكشوفة والحدائق الداخلية, ويطغى على الشكل العام لمخطط المدينة في العادة، وجود أفنية واسعة تعمل كخزانات للهواء النقي المعتدل البرودة. ومن النظرة الأولى يتضح أن هذا الترتيب أفضل بكثير من التنظيم الشبكي المتعامد ذي الشوارع العريضة لمدينة واشنطن، الذي يتخذ دائماً كنموذج مثالي لتخطيط المدن في كل المناطق بما في ذلك المناطق الحارة الجافة''. ثم يشرح تأثير التحول - عن هذه العمارة - في المسكن: ''وعلى الرغم من ذلك فإننا نشهد اليوم تغيراً يفرض انفصالاً تاماً عن علاقتنا بالماضي، بحيث انقلبت كل المفاهيم والقيم، ففيما يتعلق بتصميم المساكن في الشرق الأوسط تغير تصميم المسكن، إذ أصبحت معيشة الساكنين تطل خارجياً على الشارع العام بدلاً من إطلالها على الفناء الداخلي. وبدلاً من الهواء النقي العليل والصفاء والسكون التي يوفرها الفناء الداخلي تم احتضان الشارع بحره وغباره وضجيجه''.
وأدى الاندفاع في الانفتاح على الخارج في البيئة المعاصرة وفتح الباب على مصراعيه دون انتقاء، حتى كاد يتلاشى معها فكر الداخل، أن ظهرت دراسات تؤثر الإرث التاريخي التقليدي العمراني للمساجد بلا فتحات ألبتة من أجل أهداف أخرى للبرنامج المعماري للمبنى وهي الطاقة وترشيدها وذلك بالتوجه نحو الدعوة إلى مثل هذه المساجد بلا فتحات.
ويضيف: لقد كان لنا تحفظ على هذه الدراسة، لكن التوجه للخارج أدى إلى أزمات استهلاكية للطاقة في الخليج حتى تجاوز استهلاك البيئة العمرانية من الطاقة 70 في المائة من الطاقة الكلية في الخليج، والمساجد بالذات ثلاثة أرباع حاجتها من الطاقة تستهلك في الصيف فقط وبسبب التبريد، فمن الدراسة السابقة نفسها نحو 80 في المائة من استهلاك المساجد للتكييف، وهذا ما دعا فريق الدراسة إلى التضحية بالفتحات والإنارة الطبيعية من أجل تقليل هدر الطاقة بسبب الحرارة حتى مع استخدام الإنارة الطبيعية في جميع الأوقات. فمن أهم النتائج المتوخاة من عمارة الداخل تقليل التعرض للشمس، وشمسها المباشرة السبب الرئيس في ارتفاع الأحمال الحرارية داخل المباني، أي أن إيجابيات العمارة الداخلية كبيرة.
وسرد الناجم شيئا من الجوانب التاريخية يتمثل في أحد المساجد في محافظة الأحساء يبرز دور عمارة الداخل بأداء عال، بني قبل أكثر من 200 سنة، وحينما أعيد بناؤه قبل أكثر من 40 سنة، بقي على معالم تصميمه الأولى، أي بفناء يحوي محرابا مبنيا فيه، وهذه تعتبر إحدى فرائد المحافظة فليس فيها مثل هذا المسجد ــ أي بمحرابين، واحد في قاعة الصلاة المغلقة والآخر في فناء المسجد أو صحنه، ما يؤكد استغلال الداخل ــ الفناء ــ لأداء الصلاة. وفكانت غالب فروض المغرب والعشاء والفجر - لطيفة الطقس أثناء الصلاة في الفناء أو صحن المسجد . ففضلاً عن دور الفناء في توفير الطاقة بالاستفادة من التهوية الطبيعية والتبريد الطبيعي فإن هناك راحة حرارية تحتوي المصلين ومتعة بالطقس الطبيعي.
الفناء عموماً يعتبر من عناصر البيوت التقليدية
وقال الناجم إن الفناء عموماً يعتبر من عناصر البيوت التقليدية الخليجية المهمة ووظائفه كثيرة في غاية الأهمية للأسرة الخليجية ومن ذلك البحرينية. وفي دراسته عن تفعيل الاستنباطات المعمارية من الموروث السكني الخليجي، يقول ''هل نحن فعلاً في حاجة إلى الماضي لنبني به المستقبل؟ والجواب بالطبع سيكون نعم، فمن دون الهوية فلا شخصية لك، ودون الرجوع إلى الثروة التراثية فلا معمار لك. ثم يشرح دراسته ''تعتمد عملية التحليل على أهمية العناصر ومدى تكرار وجودها''، ثم يبدأ استعراض المميزات والقيم المعمارية للبيت البحريني فيقول عن أهمية عمارة الداخل والفناء الداخلي للبيت البحريني ''يعبر التوجه للداخل عن طبيعة الحياة الاجتماعية والعقائدية والمناخية فالحوش يجمع كل الأنشطة الاجتماعية إلى داخله. والحوش هو العنصر المناخي المسيطر على فكرة التصميم المعماري للبيت البحريني ويقوم بدور المنظم الحراري للمنزل من خلال دورة التبريد التي تتكون أثناء الليل والنهار''.
مخططات طرق السد التقليدية
من جهته، يقول المهندس حسن التميمي فيقول: دون شك أن التخطيط الهندسي للمساجد مهم في ترشيد الكهرباء، لكن حاليا لا يمكننا التدخل في مثل هذه المخططات والمخطط القديم ليس شرعاً. إلا أنه في الوقت نفسه ثري بالخبرات والتجارب والأداء والحقائق يمكن أن نستفيد منها. ولهذا نحن نستطيع إعادة مخططات طرق السد التقليدية COL DE SAC ونفصل طرق المشاة عن طرق السيارات ونثريها بالتشجير فنقلل من التلوث والتدفق الحراري ونحد من التخلخل في القيم الإجتماعية .. فما المانع؟ وبالتالي ننتقل إلى بيئات أقرب لنشاطاتنا وقيمنا ومتطلباتنا الفسيولوجية. وبالمثل يمكن وبالطريقة نفسها مناقشة استعمالات الأراضي ZONING وطرح البدائل المحلية. وكذلك ما أورثه مفهوم استعمالات الأراضي، من الناحية الجمالية، من مستوى قاصر بالنظر إلى طابع المدينة من خلال المحورين السيني والصادي فقط. وغير ذلك من المفاهيم والنظريات الحضرية، وهناك رؤى بيئية لمستقبل العمارة الخليجية منها التبريد الطبيعي فقد أكدت مثل هذه الدراسة أهمية التهوية والتبريد الطبيعي للبيئة العمرانية المعاصرة ولبرامجها المعمارية، ويتضح ذلك في دراستي علي الناجم ''أهمية فناء المسجد في ترشيد الطاقة الكهربائية في المساجد ـ ندوة عمارة المساجد ــ الرياض - فبراير 1999''، وعلي الناجم ''أهمية فناء المسجد في البيئة العمرانية الحديثة ــ المؤتمر الهندسي السعودي الخامس ــ مكة المكرمة ــ مارس 1999''، وذلك من خلال تحليل أحد عناصر البيئة العمرانية التقليدية المعروفة والرئيسة وهو فناء المسجد أحد عناصر المسجد التقليدي الرئيسية، حيث كانت النتائج تؤكد إمكانية استخدام فناء المسجد لأداء الصلاة - ومع المراوح في بعض الأحيان ــ في المنطقة الشرقية من المملكة، في فصل الصيف فقط إلى ما يزيد على ثلث الفصل (39 في المائة). المسجد أحد مكونات البيئة العمرانية المهمة التي تستخدم باستمرار. وقد جمع المؤلف معلومات السنة كاملة.
أبحاث تحت الدراسة
ويواصل التميمي أن النتائج الأولية أكدت - في أبحاث تحت الدراسة يقوم بها المؤلف علي الناجم حتى تاريخه - أن إمكانية الاستفادة من التبريد الطبيعي بالطريقتين ــ الفناء والمراوح فقط ــ يمكن أن تغطي جميع السنة. لكنها تنخفض كثيراً إلى نحو 10 في المائة فقط في فصل الشتاء في كانون الثاني (يناير) وكانون الأول (ديسمبر) حينما تنخفض درجات الحرارة كثيراً إلى ما دون عشر درجات مئوية. وكذلك تنخفض بالمثل في فصل الصيف في تموز (يوليو) وآب (أغسطس) حينما ترتفع درجات الحرارة إلى أكثر من 45 درجة وترتفع نسبة الرطوبة إلى نحو 100 في المائة أحياناً. وأما باقي الأشهر الثمانية فترتفع نسبة الاستفادة من التبريد الطبيعي إلى أكثر من 30 في المائة. هذه الحقائق التي تتعلق بمكان في استخدام مستمر تصل فيه نسبة الاستفادة من التبريد الطبيعي إلى 30 في المائة من الشهر. ويتساءل التميمي: أليس هذا يرشدنا إلى إعادة النظر في كثير من أماكننا ومبانينا ودراسة توظيف التبريد الطبيعي فيها؟ فضلاً عن ارتفاع حرارتها الداخلية. وهذه زيادة أيضاً على مشكلات الطاقة حيث يستهلك التكيف 60 في المائة من الطاقة الكهربائية.
ويمضي قائلا: إن العلم طريق تقدم الأمم وليس تراجعها وتخلفها. الأمس كانت مكونات البيئة العمرانية توظف التهوية والتبريد الطبيعي بشكل كبير وفاعل، واليوم تقصر عن ذلك؟ ملاقف الهواء أو أبراج التبريد الطبيعي والجدران ذات السعة الحرارية العالية والفتحات والأروقة والتختبوش لعبت دورها بكفاءة عالية. حتى أثبتت التجارب المعاصرة ذلك بحقائق ناصعة كالشمس. مثل تجارب الدكتور خالد المقرن على أبراج التبريد. فمن المنطق والأولى أن نكون اليوم أقدر من الأمس بالإمكانات والتقنية وتراكم الخبرات والتجارب. بمعنى أننا اليوم لدينا ذخيرة الأمس + عطاء العصر والنتيجة المتوقعة أن نكون اليوم أفضل وبكثير من الماضي. إن بيئتنا المعاصرة حبلى بالأبنية المحكمة السد، خاصة المطوقة بالقشرة الزجاجية في الأبراج العالية والمساكن التي أدمنت التكييف الميكانيكي في جميع الأوقات وكثير من المباني المكتبية المختلفة الأخرى. حتى عانينا منها الأمراض المختلفة زيادة على الضيق والتعب وعدم الارتياح. فأولى لبيئتنا الخليجية المعاصرة أن تتوافق والتوجهات الحثيثة اليوم نحو البيئة المستدامة التي لا شك أنها تنحو إلى تطوير بيئات تقوم بنفسها. والتبريد الطبيعي والتهوية الطبيعية أهم مقومات مثل هذه البيئات الحديثة التي تقوم على مثل هذه الآفاق الواسعة والفكر الرحب فهل تشهد العقود القادمة إنجازات من هذا القبيل؟
ويشير أحمد السيف إمام وخطيب جامع السليم في الرياض إلى أهمية الاستفادة من الدراسات التي تسهم في ترشيد الكهرباء وعدم تركها لأنها ستسهم في حل بعض الأزمات التي تعانيها المساجد من الكهرباء، خصوصا في الصيف، ولا سيما في ظل العناية التي تحظى بها المساجد من هذه الدولة المباركة وفقها الله لكل خير- نسأل الله أن يوفق الجميع.