معهد الإدارة .. احتكار التدريب بإمكانات محدودة
يكتسب التدريب على رأس العمل أهمية قصوى في إكساب المتدرب المعارف والمهارات الجديدة التي تمكنه من أداء عمله، واكتشاف أفضل الحلول للمشكلات التي يحتمل أن يواجهها في الحياة العملية، كما يسهم في رفع إنتاجية الموظف وتقليل الأخطاء؛ لذلك يُعرّف التدريب بأنه عملية التعديل الإيجابي لسلوك الفرد من النواحي المهنية أو الوظيفية، والتي تهدف إلى إكسابه المعارف والخبرات التي يحتاج إليها بهدف رفع مستوى كفاءة الموظف. كما يعرف التدريب بأنه ''النشاط المستمر لتزويد الفرد بالمهارات والخبرات والاتجاهات التي تجعله صالحا لمزاولة عمل ما'' (عليوة - 2001).
يعاني القطاع الحكومي ظواهر، من ضمنها الترهل في بعض المؤسسات الحكومية، نتج من ذلك زيادة البيروقراطية، وضعف مهارات العنصر البشري المؤهل والبطالة المقنعة، وظهور علامات الفساد الإداري والمالي. كل هذه المشكلات يلعب التدريب فيها دورا محوريا. أيضا، فإن عدم فاعلية برامج التدريب المقدمة لموظفي الدولة، تدل على أن المبالغ المصروفة على التدريب، التي تتجاوز 20 مليارا (السديري - ''الاقتصادية'' عدد 6425)، إنما تهدر على تدريب لا يعود بفائدة على من قدم لهم، وبالتالي لا تحقق منه الوظائف إلا اليسير من الفوائد التطويرية.
غالبا ما يسند تدريب موظفي الدولة إلى معهد الإدارة العامة، الذي يتولى بمراكزه الثلاثة في الرياض، جدة، والدمام، إضافة إلى الفرع النسائي في الرياض، تقديم الدراسة شبه الجامعية لبعض البرامج المقدمة لخدمة الأجهزة الحكومية، إضافة إلى تقديم برامج التدريب المستمر لموظفي القطاعات العامة. المعهد تولى تدريب ما يربو على 40 ألف متدرب ودارس في البرامج التدريبية والإعدادية العامة والخاصة والحلقات التطبيقية والندوات خلال العام التدريبي 1429/1430هـ. ووفقا لتقرير أعده المعهد عن إنجازاته في 1429 - 1430هـ، فإنه قدم نحو 290 برنامجا تدريبيا مختلفا تراوحت مدد هذه البرامج بين يومين وعشرة أيام. وقد انتظم في البرامج التدريبية العامة المنفذة في المركز الرئيس والفروع ما يقارب 45.259 متدربا ومتدربة، 72.1 في المائة في المركز الرئيس و27.9 في فرعي منطقة مكة والمنطقة الشرقية (التقرير السنوي لإنجازات معهد الإدارة العامة 29/1430 - صفحة 27).
من البيانات السابقة، يتضح أن تدريب موظفي الدولة الذين تجاوز عددهم مليون موظف وموظفة في عام 28/1429هـ، وفقا لتقرير وزارة الخدمة المدنية الصادر في عام 2008، التي تشمل جميع الموظفين في القطاع العام والتعليم العام والتعليم العالي والقضاء وغيرها من القطاعات.
الصحيح أن معهد الإدارة لا يقدم خدماته لجميع موظفي الدولة، فبعض قطاعات الدولة لا تجد نصيبا من الخطة التدريبية للمعهد، وإلا لكانت نسبة المتدربين السنوية لا تتجاوز 4.5 في المائة من موظفي الدولة. أيضا فإن القول بعدم حاجة جميع موظفي الدولة إلى التدريب فيه من الإهمال والتقصير الشيء الكثير، والقائمون على المعهد يحرصون على عدالة توزيع الفرص وشمولية التدريب جميع موظفي الدولة.
أوجه القصور في برامج التدريب المقدمة عديدة، إذا لم تقدم هذه البرامج وفقا لدراسات ميدانية مرنة، وفقا للقطاعات والمناطق المستفيدة، فنوعية البرامج المقدمة يجب أن تتصف بالمرونة بين احتياجات مختلف القطاعات والمناطق التي تلتحق بهذه البرامج التدريبية ووفرتها من مدينة إلى أخرى.
أيضا، فإن آلية الترشيح للبرامج التدريبية يشوبها العديد من العيوب، التي لمستها من مناقشتي لبعض المتدربين، وكان من أبرزها، محدودية مقاعد التدريب في بعض البرامج ذات الإقبال العالي، إضافة إلى أن التسجيل على هذه البرامج يتم في توقيت واحد من قبل جميع الجهات المستفيدة، وهذا قد يحرم بعض الجهات من الاستفادة من المقاعد وفقا لمقدرة البعض الآخر على حجز مقاعد تدريبية في توقيت أبكر، أو نظرا لقدرات بعض موظفي إدخال البيانات في اقتناص فرص أكبر لقطاعاتهم.
أيضا، فإن عملية المتابعة للمرشحين لهذه البرامج وقياس استفادتهم ومقارنة ذلك بأدائهم قبل الحصول على التدريب وبعده يكاد يكون من الأمور النادرة الحدوث. أضف إلى ذلك أن عددا من البرامج التدريبية يكون مجرد الحضور فيها مقياسا لاجتياز البرنامج.
وجود عدد محدود من الفروع التي تقدم برامج التدريب على مستوى المملكة، يعد سلبية قد تحرم العديد من الموظفين من الاستفادة من هذه البرامج التدريبية التي يمكن تنفيذها في مناطق عملهم.
حصر برامج التدريب على مؤسسة واحدة يقضي على التنوع والتميز في تقديم البرامج، فلماذا لا تتم الاستفادة من وجود وانتشار الجامعات السعودية في تطوير وتحسين الحقائب التدريبية وتقديم البرامج التدريبية للمستفيدين في مناطقهم؟ فمن حق كل موظف الحصول على عدد معين من الساعات التدريبية السنوية التي ستعود بالأثر على أدائه وتقييمه السنوي.
عدد من الجامعات بدأت فعليا بإنشاء عمادات متخصصة في إدارة الجودة وتطوير المهارات، تهدف إلى رفع الفعالية وتطبيق معايير الجودة، لماذا لا تطبق مثل هذه التجربة على كل أجهزة الدولة وتتم الاستفادة من خبرات الجامعات المميزة في ذلك؟
أيضا، فمن الضروري فتح المجال للقطاع الخاص في تقديم البرامج التدريبية وتطويرها، بما يتناسب مع احتياجات الموظف نفسه، وتتاح الفرصة فيها للموظف بأن يشارك ويستفيد من هذه البرامج المقدمة، وعكس ذلك في تقييمه وترقيته وعلاوته المستحقة.
من المعروف أن العمل التطوعي من أكثر مجالات تدريب الموظفين وإكسابهم المهارات وإخراجهم من بيروقراطية العمل الحكومي إلى العمل الخلاق الإبداعي؛ لذلك فإن اعتماد قيام الموظف بعدد من ساعات العمل التطوعي المسجلة وفقا للبرامج التي يجب أن تقدمها وتعتمدها الجهات المسؤولة، ينبغي أن تحتسب في التقويم السنوي للموظفين وفي عمليات الترقية وإعداد القيادات المستقبلية.
ختاما، الجهد الذي يقدمه معهد الإدارة ووزارة الخدمة المدنية جهد مميز وكبير، لكن الواقع يفرض أن تتعامل هذه الجهات مع احتياجات قطاعات التدريب الكبيرة والمستمرة بما يتوافق مع تطلعات الموطنين والقيادة.