تطلعاتنا لهيئة الاتصالات في عهد المحافظ الجديد
كتبت مقالتين متتاليتين بعنوان ''هيئة الاتصالات وتحقيق المنافسة العادلة'' بتاريخ 20 و27 نيسان (أبريل) الماضي عن المشكلات التي تعيشها بعض شركات قطاع الاتصالات في بلادنا والتخوفات من تداعيات هذه المشكلات على الاستثمارات المحلية والأجنبية في الشركات المشغلة، وعلى قوة القطاع في دعم خطط التنمية الشاملة والمستدامة والمتوازنة، وعلى جودة الخدمات مقارنة بأسعارها، وأخيرا على سمعة البيئة الاستثمارية السعودية التي تستهدف توطين الاستثمارات المحلية واستقطاب الأجنبية.
قلت في المقالتين إن قطاع الاتصالات في بلادنا يعاني بيئة تنافسية غير عادلة، ويجب الإسراع في معالجة خمس قضايا عددتها على سبيل المثال لا الحصر، وأضيف أنني أتمنى أن تكون المعالجة بروح إيجابية تضع المصلحة العامة في المقام الأول، وبرؤية تتجاوز الأطر الضيقة للمهام الفنية إلى تطوير الأنظمة والإجراءات وتطبيقها في إطار سعة الاتجاهات الاقتصادية التي تتبناها بلادنا بشكل يدعم هذه الاتجاهات ويعزز عناصرها، إذ لا يعقل أن يعمل أحد الأجهزة الحكومية للترويج للاستثمار في بلادنا، بينما يضغط جهاز آخر على المستثمرين بطريقة تنفرهم وتدعوهم إلى تحذير نظرائهم من المستثمرين في بلادنا، لأن ما يقوله الجهاز الترويجي يخالفه تماما الجهاز التنظيمي.
يوم الجمعة الماضي وبناء على ما عرضه وزير الاتصالات وتقنية المعلومات صدر أمر ملكي بتعيين عبد الله بن عبد العزيز الضراب محافظاً لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بالمرتبة الممتازة، وهو رجل متخصص يحمل مؤهلاً في مجال الهندسة الكهربائية والإلكترونية وتقلد عددا من الوظائف الفنية والإشرافية والقيادية في وزارة البرق والبريد والهاتف ثم عين نائباً للرئيس للشؤون الهندسية منذ إنشاء شركة الاتصالات السعودية عام 1998، ثم نائبا لقطاع الشبكة حتى تاريخ 12/6/2002، حيث انتقل للعمل في هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، حيث كان نائبا لمحافظ الهيئة للشؤون الفنية قبل الأمر الملكي بتعيينه محافظاً للهيئة، وبطبيعة الحال فإن ثقة خادم الحرمين الشريفين بالمحافظ الجديد وتاريخه المهني تجعلنا متفائلين بنقلة نوعية لتطوير قطاع الاتصالات لتحقيق المنافسة العادلة التي تمكن الشركات المشغلة كافة من النمو والاستمرارية في سوق تنمو هي الأخرى بمعدلات تتناسب مع نمو الاقتصاد السعودي وأهمية القطاع وحيويته.
وبطبيعة الحال سيكون تفاؤلنا في حال اهتمام المحافظ الجديد بالأبعاد الاقتصادية، إضافة إلى الأبعاد الفنية لأهمية استحضار الإطار الاقتصادي الواسع التي تتحرك فيه الحكومة وبكل أبعاده وتفاصيله عند تنظيم القطاع وتطويره وتطبيق الأنظمة والإجراءات لتحفيزه وحماية جميع عناصره وفق الممارسات العالمية التي تأخذ في الاعتبار وبشكل كبير ومهم حماية المشغلين الجدد الذين يعتبرون الأطراف الأضعف في السوق حتى يشتد عودهم ويصبحوا قادرين على المنافسة وفق قواعد السوق بعد أن يكونوا قد استكملوا بناهم التحتية وأسسوا قواعد عملاء تمكنهم من تحقيق إيرادات مجزية تدعم نموهم واستمراريتهم.
تفاؤلنا ــ وللأمانة ــ تفاؤل مشوب بالحذر، لأننا أمام قطاع تكاد تسقط إحدى شركاته في حين تعاني الأخرى خسائر رغم خبرتها الدولية الكبيرة ونجاحها في أسواق أخرى أشد منافسة وأقل نموا. ولو قارنا ذلك بقطاع البنوك، حيث لم نر بنكا سقط كبيراً كان أم صغيراً، قديماً كان أم حديثاً، لاتضح لنا الفرق، حيث تعمل الهيئة المنظمة لقطاع البنوك ''موسسة النقد العربي السعودي'' على تنظيم القطاع وتطويره وحمايته من خلال أنظمة وإجراءات ذكية وصارمة جعلت كل عناصر هذا القطاع ينعمون بخدمات جيدة في سوق تتسع فيها الخيارات دون خوف من السقوط في خانة الاحتكار كما هو وضع قطاع الاتصالات حاليا، حيث نخشى أن نعود إلى مربع الاحتكار أو إلى مربع قريب جداً منه.
أعتقد أن معايير الممارسات المثلى لتطوير قطاع الاتصالات وتنميته تهدف بالضرورة لحماية المشغلين الجدد ممن سبقوهم من مشغلين أقوياء حماية للسوق بالتبعية، كما هو حال الأنظمة الديمقراطية، التي تعمل وفق ممارستها العالمية الناجحة لحماية الأقليات لحماية البلاد بالمحصلة. وبكل تأكيد ما تعانيه شركة زين السعودية وشركة عذيب وعدد القضايا المرفوعة منهما ضد الهيئة وضد أحد المشغلين، تثبت بالدليل القاطع أن مبدأ حماية المشغلين الجدد غائبة، وبالتالي حماية السوق من الضرر غائبة هي الأخرى. ولقد كان محك نجاح أو فشل هيئة الاتصالات في ضبط السوق وتنميته هو اشتداد المنافسة بعد دخول المشغلين الثالث والرابع، وهو محك أثبت أن الهيئة عجزت أن تقود السوق بالشكل الأمثل، وهو ما نتطلع إلى أن تعالجه القيادة الجديدة.
لا أخفيكم سراً إذا قلت لكم إنني فكرت في أن يكون السبب خارج مهام هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، خصوصاً أن لدينا وزارة تسمى وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، وهنا يُخشى ضياع مهمة مهمة بين الطرفين، وهي مهمة رسم السياسات العامة للقطاع في إطار خطط الدولة الاقتصادية ومراقبة تطبيقها. ولقد بحثت في مهام الوزارة ومهام الهيئة ووجدت أن مهام الوزارة تشتمل على اقتراح السياسات العامة، ورسم الخطط والبرامج التطويرية لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، واقتراح مشاريع الأنظمة المتعلقة بالاتصالات وتقنية المعلومات ورفعها إلى مجلس الوزراء، واقتراح الخطط المتعلقة بقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، بما في ذلك المتعلقة بشمولية الخدمات ومتابعة تطويرها واعتمادها من الجهات المختصة، بينما تشتمل مهام الهيئة، إضافة إلى المهام الفنية والإشرافية، مهام منح التراخيص لتقديم خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات وإعداد السياسات والأطر التنظيمية والدراسات لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات.
هنا قد يكون تداخل، والممارسة تقول إن علاقة الوزارة بالهيئة تكاد تكون شكلية، لكن ما يطمئن إلى حد ما أن هيئة الاتصالات تقول إنها الجهة المسؤولة عن إيجاد المناخ المناسب لتشجيع المنافسة العادلة، وتحقيق الوضوح والشفافية في الإجراءات، إضافة إلى تحقيق مبادئ المساواة وعدم التمييز وحماية المصلحة العامة ومصالح المستخدمين والمستثمرين.
أملنا كبير في المحافظ الجديد أن يحقق طموحات خادم الحرمين الشريفين في تطوير اقتصاد بلادنا، الذي يشكل قطاع الاتصالات المرتبط باقتصاديات المعرفة قطاعا من أهم قطاعاته، وأن يحقق تطلعاتنا جميعا للوصول إلى مناخ المنافسة العادلة المستهدفة التي تنمي القطاع ليلعب دوره المنشود في التنمية وجذب المزيد من المشغلين المولدين لمزيد من الفرص الوظيفية والاستثمارية والمقدمين لأرقى الخدمات معقولة الأسعار.