رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


قدرات فائقة في التسويق

تتميز بعض الأمم بقدرتها الفائقة على تسويق ذاتها ومنتجاتها الفكرية والثقافية والمادية بشكل صحيح ومناسب تبهر من خلاله الآخرين وتجعلهم يتعلقون بهذه المنتجات ويعشقونها، بل يبذلون المال لاقتناء هذه المنتجات، ويسعون جاهدين للحصول عليها مهما كلفهم من جهد ووقت، ولو فكر المرء في هذه المنتجات لوجد أنها ربما ليس لها هذه القيمة التي تستحق التعلق والحرص على اقتنائها، لكن كونها صدرت من هذا البلد أو ذاك أعطاها هذه القيمة.
تأملت في هذا الموضوع وأنا أتابع الأخبار على الفضائيات، التي منذ فترة حتى يوم الزفاف الذي تم يوم 29/04/2011، وربما لفترة بعده، بدأت بشكل بارز ومتكرر تتحدث عن زواج ولي العهد المنتظر لبريطانيا الأمير وليم ابن ولي العهد الحالي الأمير تشارلز، الفضائيات بدأت تتحدث عن تكاليف الزواج والترتيبات والمدعوين، الذين يقدر عددهم بألفين، كما بدأ الحديث عن خاتم الزواج والفستان والمصمم والطقوس كافة التي ستسبق وترافق مراسم الزواج، والكنيسة التي سيتم فيها الزواج، إضافة إلى استطلاعات الرأي للشارع البريطاني بشأن الزواج، ومشاعر البريطانيين تجاه هذه المناسبة، كما أوردت الأخبار المحطات التلفزيونية التي فازت بعقد تغطية المناسبة، والعدد المتوقع من المشاهدين في جميع أرجاء العالم، الذي يقدر بملياري نسمة.
مع هذه المعلومات التي بدأت تنقلها وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة عادت بي الذاكرة إلى ما قبل 30 سنة حين اقترن الأمير تشارلز والأميرة ديانا، الذي تمكن البريطانيون في حينه من تحويله إلى حدث عالمي اهتم به الكثير من الناس كما لو أنه حدث يخصهم ولهم علاقة به، وأتذكر وقتها أن المحطات الأمريكية وبالأخص CNN ، ABC، MBC، وCBS، إضافة إلى الفضائيات البريطانية رصدت الحدث أولا بأول، وشدت الجماهير لمتابعته حتى تحول حدث الزواج إلى أسطورة تاريخية خرجت عن طبيعتها التي يفترض أن تكون داخل نطاق الأسرة وأصدقائها والمقربين منها، أو على أقل تقدير شأنا محليا داخل بريطانيا.
الأمر لم يكن بهذه الصورة فقط، بل انشغل به السياسيون وزعماء الدول الذين أغدقوا الهدايا الثمينة من ميزانيات وخيرات شعوبهم للعروسين ولأم العريس، وقد ترتب على صناعة الحدث بهذه الطريقة ما تبعه، حيث أصبح ما ارتبط بمناسبة الزواج منتجات تسوق ولها متخصصون؛ إذ إن قصة شعر ديانا، وفستان ديانا، وحليها، وملابسها، وألوانها تحولت إلى سلع يفتخر بها من يحصل عليها حتى ولو كلفت أغلى الأثمان وأجهدت الأسر.
أصحاب المصالح المختلفة وظفوا المناسبة لتسويق سلعهم فمصممو الأزياء، وصاغة الذهب والجواهر، ومحال الحلويات، والمهندسون المعماريون وغيرهم الكثير أجهدوا عقولهم لابتكار ما يمكن استيحاؤه من المناسبة وما يرتبط بها.
يبدو أن مناسبة الزواج الملكي السابقة أنعشت الاقتصاد البريطاني؛ ولذا يعيد البريطانيون الكَرّة مرة أخرى في مناسبة زواج الأمير وليم من كيت ليحققوا الأرباح، والمكاسب التي حققوها قبل 30 سنة. لو تأمل المرء في هذه المناسبة، أي مناسبة الزواج لوجد أنها أمر يتكرر في كل يوم منذ أن وجدت الإنسانية على الأرض، وفي كل أنحاء العالم، ولكل مجتمع طقوسه الخاصة به في هذه المناسبة، لكن بين المجتمعات تفاوتا في كيفية تحقيقها، كما أن داخل المجتمع الواحد تفاوتا، فالبعض يبالغ فيه، والبعض تكون المناسبة متواضعة، وتتناسب مع وضع الطرفين الزوج والزوجة، وحث ديننا الحنيف على إعلان الزواج والاحتفاء به كمناسبة تؤسس عائلة يتحقق من خلالها عمارة الأرض كما أراد الله، لكن دون تكلفة ومبالغة في ذلك.
السؤال الذي لم أجد له جواباً هو: لماذا هذا الاهتمام من قبل شعوب العالم بمناسبة زواج أشخاص لا تربطهم بهم أي صلة؟! قد لا أستغرب حين يهيم البريطانيون بهذه المناسبة، لكن حين تتحول إلى مناسبة عالمية ينشغل بها ملياران من الناس، وتستعد لها الفضائيات، ويفرغ المئات، بل الآلاف من الإعلاميين لتغطيتها، فهذا ما وجدت صعوبة في استيعابه وفهمه. إن قدرة البريطانيين على تحويل الحدث من المحلي إلى العالمي، وقدرتهم على تسويق منتجاته أمر يحتاج إلى تحليل، فهل شعور الشعوب الأخرى بالضعف الداخلي، وفي الوقت ذاته شعورها بالإعجاب بأطراف المناسبة، أو تقديرها موطن العروسين، خاصة أنه كان له تاريخ استعماري طويل لكثير من المجتمعات، أوجد ولاءً وتقديرا للمستعمر السابق وكل ما يصدر عنه؟ ما من شك في أن حالة الهزيمة التي تشعر بها الشعوب الضعيفة تجعلها تعجب بالقوي وبأفعاله حتى ولو كان هذا الشيء بسيطا أو ساذجا.
فعلا لقد جعل البريطانيون الحبة قبة وهرول البعض من أمريكا، أستراليا، وبلاد العرب لحضور المناسبة، وهؤلاء قد ينطبق عليهم المثل الشعبي ''مع الخيل يا شقراء''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي