الحاجة إلى مركز وطني لقياس التنمية وتقويمها
بدأت العملية التنموية السعودية منتصف العقد الماضي رحلة عبور الموجة الخمسينية الثانية (2000 ـــ 2050)، بعد أن عبرت الموجة الخمسينية الأولى (1950 ـــ 2000) بنجاح، مسجلة مستويات اقتصادية مرموقة ستمكنها ـــ بإذن الله ـــ من مواصلة المسيرة بما يعود بالنمو والرخاء المستديمين على جميع مكوناتها.
ولما تحمله رحلة عبور الموجة الخمسينية الثانية من تحديات وآفاق مختلفة في الكم والنوع عن تلك التي ظهرت إبان رحلة عبور الموجة الخمسينية الأولى، فإنه من الأهمية بمكان النظر في استحداث مركز وطني لقياس وتقويم العملية التنموية بما يضمن توظيف دروس التنمية في الأمس لتحقيق آفاق التنمية في الغد.
مركز وطني لقياس وتقويم العملية التنموية يهدف إلى قياس ما تم إنجازه في مسيرة تنفيذ الخطط التنموية وتقويم آليات التنفيذ واقتراح ما يمكن اقتراحه من تطوير في مستهدفات هذه الخطة أو تلك هو اقتراح يستأنس الطرح بما يعود بالنفع على العملية التنموية السعودية.
يكمن الدافع خلف اقتراح تأسيس مركز وطني لقياس وتقويم العملية التنموية في الحرص على تحقيق العملية التنموية السعودية أهدافها التي وضعتها مطلع العقد الماضي وبلوغ رؤيتها الطموحة بحلول عام 2025 ـــ بعون الله وتوفيق. رؤية طموحة تنص على:
''سيكون الاقتصاد السعودي ـــ إن شاء الله ـــ بحلول عام 1444/1445هـ (2024)، اقتصادا متطورا منتعشا ومزدهرا، قائما على قواعد مستدامة، موفرا فرص عمل مجزية لجميع المواطنين القادرين على العمل، متسما بنظام تعليم وتدريب عالي الجودة والكفاءة، وعناية صحية متميزة متاحة للجميع، إضافة إلى جميع الخدمات الأخرى اللازمة لتوفير الرفاهية لجميع المواطنين، وحماية القيم الاجتماعية والدينية والحفاظ على التراث''.
تمثل هذه العبارة رؤية استراتيجية واضحة ومعلنة وبعيدة المدى عن الرسالة التي يطمح الاقتصاد السعودي إلى تحقيقها على المدى البعيد. قسمت رحلة تحقيق هذه الرؤية إلى أربع مراحل زمنية. المرحلة الأولى الخطة الخمسية التنموية الثامنة (2005 ـــ 2009)، والمرحلة الثانية الخطة الخمسية التنموية التاسعة (2010 ـــ 2014)، والمرحلة الثالثة الخطة الخمسية التنموية العاشرة (2015 ـــ 2019)، والمرحلة الرابعة الخطة الخمسية التنموية الحادية عشرة (2020 ـــ 2024).
تمثل رحلة تحقيق رؤية الاقتصاد السعودي بحلول 2025 فلسفة حديثة في مسيرة التخطيط التنموي السعودي. والسبب في حداثة هذه الفلسفة أنه ابتداء من الخطة الخمسية التنموية الثامنة، أصبحت مخرجات كل خطة تنموية تغذي مدخلات الخطة التنموية التي تليها، وذلك ضمن إطار استراتيجي بعيد المدى ومحدد الأهداف والآفاق.
من أهم أهداف العملية التنموية السعودية بحلول 2025 رفع مستوى المعيشة، وتحسين نوعية الحياة، وتقليص ظاهرة الفقر، وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة والمتوازنة، والمحافظة على الموارد الطبيعية، وترشيد استخدامها، وحماية البيئة، وتقليص الفجوات التنموية بين مناطق المملكة، وتنويع القاعدة الاقتصادية.
من أهم أهداف العملية التنموية السعودية بحلول 2025، كذلك توسيع مجالات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع الاستثمار، والتوجه نحو بناء مجتمع اقتصاد المعرفة، وتعزيز البحث العلمي، وتنمية الموارد البشرية، وتوفير فرص العمل، ودعم مشاركة المرأة في الأنشطة التنموية، والاستمرار في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والتطوير المؤسسي، وتعميق التعاون الخليجي والعربي.
ولما لأهمية مهمة مراجعة تحقيق هذه الأهداف التنموية خلال هذه المرحلة، بما يضمن ـــ بعون الله وتوفيقه ـــ إضفاء المرونة اللازمة على الخطط الخمسية الثلاث المقبلة، فإنه من الأهمية بمكان إعادة ترتيب الأوراق وتأهيل مقومات المرحلة المقبلة، ونحن نعيش العام الثاني من مرحلة تنفيذ الخطة الخمسية التاسعة (2010 ـــ 2014).
نخلص من هذه المراجعة إلى ثلاثة أمور رئيسة. الأمر الأول أهمية إقرار معايير ذات شقين. الشق الأول ''متوسط المدى'' يهتم بمراقبة أداء تنفيذ الخطة التنموية التاسعة. والشق الثاني ''بعيد المدى'' يهتم بمراقبة مدى سير تنفيذ الخطط التنموية التاسعة (2010 ـــ 2014)، والعاشرة (2015 ـــ 2019) والحادية عشرة (2020 ــــ 2024) نحو بلوغ رؤية الاقتصاد السعودي في 2025. والأمر الثاني أهمية الابتعاد عن التخطيط الاستراتيجي الدقيق الشامل لكل التفاصيل الدقيقة، والاعتماد على التخطيط الاستراتيجي الشمولي في تحقيق الرؤية الاستراتيجية.
والأمر الثالث أهمية أن تكون آليات تنفيذ الخطة الاستراتيجية آليات مرنة تستطيع أن تتأقلم بسهولة مع المستجدات اليومية. والأمر الرابع أهمية نشر الوعي اللازم بجميع مقومات العملية التنموية السعودية، بشرية كانت أو غير بشرية، بما يمنحها المرونة الكافية للتأقلم مع المستجدات اليومية متى ما دعت الحاجة التخطيطية إلى ذلك.
معايير الأداء ومراقبته، والتخطيط، والمرونة، والوعي أمور رئيسة أربعة تهدف في مجملها إلى مراجعة الإنجازات السابقة، وترتيب الأولويات المقبلة، بما يضمن ـــ بعون الله وتوفيقه ـــ تحقيق رؤية الاقتصاد السعودي 2025. مجموعة من المهام الرئيسة تندرج تحت مهام المركز الوطني المقترح لقياس وتقويم العملية التنموية.
يعتمد المركز المقترح لقياس التنمية وتقويمها على آلية التمويل الذاتي لتنفيذ نشاطاته. ويشارك في تأسيس المركز مجموعة من المؤسسات الحكومية والخاصة والمدنية ذات العلاقة المباشرة بالعملية التنموية السعودية.
يستقي المركز بياناته حول مدى سير عملية تنفيذ الخطط التنموية بشكل مباشر من المؤسسات الحكومية والخاصة والمدنية ذات العلاقة بما يضمن استقلاليته عن الجهات التنفيذية وضمان عدم تعارض مصالح الجهات التنفيذية مع توجهات المركز وأهدافه. يضع المركز مجموعة من المؤشرات التنموية التي تهدف في مجملها إلى استقراء مستقبل العملية التنموية واقتراح تعديل وجهتها بما يضمن تحقيق العملية التنموية السعودية أهدافها وبلوغ رؤيتها الطموحة بحلول عام 2020 ـــ بعون الله تعالى وتوفيقه.