ما بين التأمين الصحي وتأمين المركبات
أصبح التأمين الصحي حلم الكثير ممن يرغبون في الحصول على علاج مجزٍ وسريع. وهذا الأمر يدركه كثيرٌ ممن لا يتمتعون بالرعاية الصحية عن طريق الضمان الصحي التعاوني، ولكن أن يصل الأمر إلى أن يتمنى حتى أولئك الذين لديهم رعاية صحية محكومة بنظام تأمين آخر غير الضمان الصحي أن تشملهم ميزات التأمين أو (الضمان) الصحي هو أمر يُحسب بإيجابية لهذا النظام الذي يشرف على تطبيقه مجلس الضمان الصحي التعاوني.
فلو أخذنا على سبيل المثال وثيقة تأمين المركبات، نجد أن التغطية التعويضية الطبية التي توفرها هذه الوثيقة لمن وقع ضحية لحادث سير لا تعطيه أي حقوق مباشرة في مواجهة شركة التأمين، بحيث تتحمل هذه الشركة بموجب الوثيقة نفقات علاج ضحية حادث السير دون المرور بالمسؤول عن الحادث. فهذا الأخير لا بد من ثبوت مسؤوليته عن التعويض، ثم بعد ذلك تلتزم شركة التأمين بدفع مبلغ التعويض للمتضرر من حادث السير الذي تكبد نفقات علاجية معتبرة، بينما نجد أن مستحقي العلاج في التأمين الصحي يستفيدون مباشرة من التغطية في مواجهة شركات التأمين منذ لحظة دخولهم المستشفى ووفق آليات وإجراءات سريعة وفعالة ومحددة ويشرف عليها مجلس الضمان الصحي التعاوني.
وسبب الاختلاف بين هاتين الوثيقتين (وثيقة تأمين المركبات ووثيقة الضمان الصحي)، يعود إلى الأساس النظامي الذي يرتكز عليه كلٌّ منهما، فالحق القانوني المرتبط بعلاج المشمولين بوثيقة التأمين الصحي هو بسبب وجود العلة أو المرض، بينما في وثيقة تأمين المركبات هو (الحادث المرتبط باستعمال المركبة في السير)؛ أي (الإصابة) الناشئة عن حادث السير. وهذا الأخير له تعريف قانوني محدد سواء في نظام المرور أو في وثيقة تأمين المركبات. والفرضية القانونية الدقيقة هي أن تغطية نفقات العلاج بالنسبة للمصابين في حوادث السير تتحدد وفق وثيقة تأمين المركبات. وهناك استثناء يعد حادث السير بمنزلة إصابة عمل، وهو ما ورد في نظام التأمينات الاجتماعية عندما يحصل الحادث في ظروف معينة.
وعلاج المصابين في حوادث السير لا يتم وفق نظام إجرائي واضح ومحدد، كما هو الحال بالنسبة للتأمين الطبي. والغالب فإن من يتحمل تكاليف علاج مصابي حوادث السير في المستشفيات الخاصة هو ضحية حادث السير أو ذووه، وبعد ذلك يحصلون على مستندات وفواتير العلاج ليطالبوا المتسبب في حادث السير بالتعويض عنها. المشكلة الأخرى هي أن المستشفى لا يقدم سوى الخدمات العلاجية الضرورية وفي أضيق نطاق؛ لأنه يأخذ في حسبانه احتمال عدم قدرة الضحية أو ذويه على دفع تكاليف العلاج. كما أنه ليس هناك نظام قانوني أو إداري معتمد يربط مقدم الخدمة وهو المستشفى مع شركة التأمين مباشرة، وذلك لترتيب مسألة الغطاء المالي اللازم لعلاج الضحية، كما هو حاصل في التأمين الصحي.
ولذلك ففي حالة وجود وثيقتين (وثيقة ضمان صحي ووثيقة تأمين مركبات)، فإن المصلحة تقتضي أن يتم تقديم الخدمات العلاجية للمصاب في حادث السير وفقاً للآلية المتبعة في الضمان الصحي التعاوني؛ لأنها الأنسب والأكثر ضمانة في حصول المصاب على العلاج المناسب، أي تغليب وثيقة الضمان الصحي على وثيقة تأمين المركبات. ثم تقوم شركة التأمين الصحي بعد تكفلها بتقديم الخدمات العلاجية اللازمة وفق وثيقة الضمان الصحي بالحلول محل المتضرر في مواجهة المسؤول عن التعويض، سواء أكان المتسبب في الحادث نفسه أم شركة التأمين التي أصدرت له وثيقة تأمين مركبات وهذا الإجراء يمكن أن يوجد له سندٌ في أحد نصوص وثيقة الضمان الصحي، الذي يقضي بأنه في حال وجود ازدواجية في التغطية، فإن شركة التأمين تكون مسؤولة عن تغطية تلك النفقات، وتحل محل المؤمن له في مطالبة الغير بدفع حصتهم من تلك المطالبة.