رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أمريكا.. عند الامتحان يكرم المرء أو يهان

عندما كنا صغاراً في المدرسة، كثيراً ما سمعنا من أساتذتنا الكرام المثل المعروف (عند الامتحان يكرم المرء أو يهان)، وتعلمنا أن الامتحان وسيلة لتقييم الجهد الذي بذلناه في التحصيل خلال العام الدراسي، وكل طالب يحصد نتيجة تحصيله وجهده خلال العام. الحكومات أيضاً لها امتحان خاص بها على الجانب الاقتصادي، فإما أن تكون نتيجته إيجابية أو سلبية. اليوم يأتي هذا الامتحان للولايات المتحدة من مؤسسة التصنيف الائتماني العالمية ستاندارد آند بورز التي علقت الجرس لأول مرة منذ أن باشرت عملها في تصنيف الديون السيادية للولايات المتحدة منذ أكثر من 70 عاماً، عندما غيرت الرؤية للديون السيادية الأمريكية من مستقر إلى سلبي. ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك أن ستاندارد آند بورز ستضع الديون السيادية للولايات المتحدة تحت المراقبة مما يعني إمكانية خسارتها للتصنيف السيادي الأعلى الذي يرمز له بـ AAA خلال العامين المقبلين. وبحساب الاحتمالات يعني ذلك أن هناك احتمالا واحدا من ثلاثة (33 في المائة) أن يتم تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة خلال العامين المقبلين. لكن ما الذي شجع ستاندارد آند بورز على ذلك؟
عدة عوامل شجعت على تحول الرؤية إلى الديون السيادية للولايات المتحدة من مستقرة إلى سلبية، أولها عجز الموازنة المتضخم الذي بلغ ما نسبته 10.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2010. وثانياً ارتفاع حجم الدين العام الأمريكي إلى معدلات قياسية بلغت 91.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وثالثاً الجدل الدائر في الدوائر السياسية في الولايات المتحدة حول خطة أوباما طويلة الأمد لخفض عجز الموازنة، والخلاف الكبير الدائر حول ذلك. هذا العوامل الثلاثة مجتمعة كانت كافية لأن تغير إحدى أهم مؤسسات التصنيف الائتماني في العالم رؤيتها لمستقبل الائتمان الأمريكي، مما جعله على المحك أمام الأسواق العالمية. في يوم واحد انخفضت أسعار الأسهم بمعدلات قاربت أو تجاوزت ما نسبته 1.5 في المائة. هذا الأمر أدى إلى زوبعة ومحاولة لملمة الأوراق المتبعثرة في أروقة صنع القرار الاقتصادي الأمريكي، حيث خرج تيموثي قايثنر وزير الخزانة الأمريكي على شاشات التلفزة الأمريكية ثلاث مرات ليطمئن العالم حول وضع الديون السيادية الأمريكية، وحول عزم الحكومة الأمريكية وجديتها في التعامل مع وضعها الحالي في المستقبل.
اليابان التي تعد ثاني أكبر دائن للولايات المتحدة في العالم، عبر أحد المسؤولين الرسميين فيها عن ثقته بمتانة وضع هذه الديون، وذلك في مسعى لدعم وتعزيز الثقة بالديون السيادية الأمريكية. على العكس من ذلك، عبرت الحكومة الصينية التي تعد أكبر دائن للولايات المتحدة في العالم ــــ والتي يقدر قيمة ما تملكه من سندات الخزانة الأمريكية بأكثر من تريليون دولار أمريكي ــــ عن أملها في أن تتبنى الولايات المتحدة سياسات مسؤولة لأجل حماية مصالح المستثمرين. بالطبع التصريح الصيني يأتي في سبيل رد الصاع بصاعين على الولايات المتحدة التي تمارس ضغوطاً كبيرة على الصين فيما يتعلق بموضوع الاختلالات في الاقتصاد العالمي، وتحمل سياسة سعر الصرف التي تتبناها الصين المسؤولية الرئيسة عن ذلك. علاوة على ذلك، تعمل الصين حالياً على زيادة دور عملتها ـــــ الرينمبي ــــ في الأسواق العالمية، من خلال زيادة استخدامها في تسوية المعاملات التجارية للصين. واستجابة لذلك، تعمل سنغافورة على أن تكون أحد المراكز المالية الرئيسية لتسوية المعاملات بالرينمبي لتنافس بذلك هونج كونج، ولتوفر للمستثمرين فرصة تسوية معاملاتهم بالعملة الصينية بشكل مباشر.
وعودة إلى الخطوة التي أقدمت عليها ستاندارد آند بورز، نحاول الإجابة عن تساؤل بشأن التأثير المباشر لذلك في الولايات المتحدة.
براد ديلونج يرى في مقالة نشرها في صحيفة «الفاينانشيال تايمز» أن هذه الخطوة أدت إلى التأثير في أسعار الأصول فقط، فيما لم يتأثر سعر صرف الدولار أو العائد على السندات الأمريكية. وهذا يعني أن هذه الخطوة التي أقدمت عليها ستاندارد أن بورز تعد خطوة مهمة ليس لأجل المعلومات بشأن وضع الاقتصاد الأمريكي للمستثمرين، ولكنها بشأن الوضع السياسي في الولايات المتحدة. بمعنى آخر، أن المستثمرين يتوقعون أن يكون لهذه الخطوة تأثير إيجابي في الجانب السياسي المتعلق بالجدل حول وضع الموازنة وخطة أوباما طويلة الأمل للتعامل مع وضع عجز الموازنة والدين العام. والنتيجة الطبيعية لذلك أن الإنفاق سيكون أكثر تشدداً في المستقبل، كما أن الضرائب على قطاع الأعمال قد ترتفع وهذا ما جعل أسعار الأصول تتأثر. أما على جانب سعر الصرف والعائد الذي يطلبه المستثمرون على السندات فهذه الخطوة تصب في مصلحته في المستقبل نظراً لأنها ستدعم بشكل كبير خطة أوباما وستسهل تمريرها في الكونجرس الأمريكي.
المستقبل يخبئ الكثير من المفاجآت والتحولات في الاقتصاد العالمي، لكن الدرس المهم الذي يمكن أن نتعلمه أن متانة الوضع المالي بالنسبة لأي حكومة هي الضمانة الرئيسة لاستقرار الاقتصاد واستمرار نموه على الأمدين القصير والطويل. الإنفاق غير المسؤول ومراكمة الديون قد لا يكون لها تأثير كبير في الأمد القصير، لكن سيأتي الوقت بالتأكيد الذي تحاكم فيه الأسواق أي اقتصاد وتضعه أمام مسؤولياته بطرح الثقة بقدرته على سداد التزامات هذه الديون في المستقبل. العامان الأخيران كانا شاهدين على هذا الوضع، حيث قدمت لنا دروس حول المسؤولية المالية العامة من اليونان وإيرلندا والبرتغال وأخيراً الولايات المتحدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي