رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


فاعلية الإدارة .. المظهر وخصائص الشخصية

يلعب السلوك الإداري للرئيس دورا بارزا في تحقيق أهداف المنظمة التي يديرها مهما كان حجمها سواء كان كبيرا أو صغيراً. والسلوك الإداري لا يكمن في تعليمات أو أوامر يوجهها الرئيس إلى مرؤوسيه, ولا نظرات يرصد بها من يتعامل معه, كما أن السلوك الإداري ليس ما يلبسه المدير, ولا المكتب الذي يعمل فيه، وما يتمتع به من سعة أو أثاث فخم أو وسائل اتصالات, وحشم وخدم يقدمون له الشاي, ويعرضون عليه الأوراق والمعاملات, بل إن السلوك الإداري قدرة على فهم الآخر, وماذا يفكر فيه, وماذا يشعر به, وما الصعاب، أو المشكلات التي يمر بها سواء كانت هذه المشكلات ذات علاقة مباشرة بالعمل أو مشكلات أسرية, أو اقتصادية, أو صحية.
البعض من المسؤولين مهما كان مستوى المسؤولية التي يقوم بها يظن أن فخامة المكتب وسعته تزيده قوة, وتأثيراً في العاملين معه، أو من يتعاملون معه من خارج المنظمة, وكأنه في هذا الوضع يشعر بضعف داخلي يعتقد أن بإمكانه تجاوزه من خلال الشكليات والبيئة المحيطة بكل عناصرها المادية والبشرية.
في مرحلة من مراحل تاريخ وطننا القريب، ومنذ ما يقارب 30 سنة كان المديرون، ورؤساء الأقسام في بعض الإدارات الحكومية يجلسون على كراسي العمل، وهم يلبسون بشوتهم, وكم تساءلت بشأن الحكمة من هذا التصرف، لكن لم أجد الشجاعة لأسأل عن هذا السر, وأتذكر أني زرت عميداً في إحدى الجامعات، فلما استأذنت من السكرتير ودخلت عليه فإذا به ملتف بمشلحه، وعلى كرسيه, وعندما نهض للسلام أعاقه المشلح, وكاد يسقط على الأرض, واستمر على وضعه، وحاولت أن ألاحظ تأثير ذلك في أدائه فلاحظت إعاقته في الحركة حين يتحدث بالهاتف, أو حين يتحرك ليتناول الأوراق والمعاملات, لقد أشفقت على صاحبي حينها, وتساءلت: ما سبب الإصرار على هذا الأمر؟ الذي أعرفه أن المشلح يكون مناسباً في الاستقبالات الرسمية, وعند الظهور في القنوات التلفزيونية, خاصة لبعض أصحاب المراكز الوظيفية، أما عند أداء المهام والأعمال الوظيفية, فهذا أمر يحتاج إلى إعادة نظر من قبل من يصرون عليه أثناء العمل, خاصة إذا كان يعوق الإنجاز والأعمال.
الهيبة مهمة في بعض الحالات, وقد يلعب المظهر الخارجي دوراً في ذلك, وهذا ما يسميه علماء النفس أثر الهالة التي يكون عليها من يتم التعامل معه, وقد وقع الإمام أبو حنيفة تحت تأثير الهالة حين دخل عليه رجل، وهو يدرس طلابه، حيث كان الرجل ذا مظهر جذاب ولافت, إذ كان طويل القامة، ضخماً، ويلبس ملابس أنيقة, ونظراً لأن أبا حنيفة كان يمد رجله لألم يشعر به في ركبته لذا سارع لسحبها توقيراً, واحتراما لهذا الرجل, وبعد أن جلس الرجل بين الطلاب مستمعاً لدرس أبي حنيفة، توجه بسؤال مرتبط بموضوع الدرس، الذي كان بشأن الحج وأحكامه، حيث قال: وماذا لو صادف رمضان موسم الحج؟ حينها علم أبو حنيفة أن مظهر الرجل لا يدل على مخبره، ومد رجله وقال مقولته المشهورة التي تتكرر على ألسنة الناس ''لقد آن لأبي حنيفة أن يمد رجله الآن'', إن مظهر الفرد لا يدل بالضرورة على مخبره وجوهره، إذ قد يكون متواضعاً لكن لديه من القدرات والاستعدادات والطاقات الشيء الكثير.
ما من شك أن المظهر له دوره وهيبته، لكن الاعتماد على المظهر وعدم الاهتمام بما وراء المظهر قد لا يفيد في إنجاز المهمات وحل المشكلات والأداء بالشكل المطلوب, خاصة عندما يتطلب الأمر التعامل مع الآخرين على شكل ترؤس جلسة، أو التفاوض على أمر من الأمور، فهذه أمور تحتاج إلى عقل وتفكير وآراء مقنعة أكثر من حاجتها إلى المظهر، رغم قيمته في بعض المواقف والظروف مع بعض الناس.
حدثني أحد الزملاء المصريين أنه كان يشغل منصب وكيل كلية في جامعته، وفي يوم من أيام الصيف وكان الجو حاراً ذلك اليوم قرر الذهاب إلى العمل من دون البدلة الرسمية, حيث استبعد الجاكيت وربطة العنق، وكان يوم اختبار نهائي, وكان يقوم بجولة داخل الكلية، ويطلب من الطلاب دخول القاعات، إلا أنه لم يجد استجابة من الطلاب نظراً لعدم معرفة الطلاب به كوكيل للكلية, وبعدها قرر ألا يذهب إلا وعليه البدلة كاملة ليستقوي بها على الطلاب, حيث أدرك أن المظهر قد يفيد في مثل هذه الظروف والمواقف.
تأملت في هذا الموقف، فألفيت أن المظهر الخارجي قد يساعد على النجاح في أداء بعض المهمات الإدارية, وفي بعض الظروف مهم, لكن الأمر لا يقتصر على المظهر الخارجي, بل إن الأمر مرتبط بخصائص الشخصية وقوة تأثيرها في الآخرين, بما في ذلك الاستفادة من الذكاء الاجتماعي، الذي يمكن صاحبه من إقناع الآخرين بما يريد إقناعهم به، رغم أن الاهتمام باللباس والمظهر الخارجي من آليات الذكاء الاجتماعي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي