رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


مكافحة الفساد من أهم مقومات الحياة المستقيمة «1»

الحمد لله القائل في محكم الكتاب: ''ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها''، (الأعراف: 56) والصلاة والسلام على النبي الرسول الذي دعا إلى مكارم الأخلاق ومحاربة الفساد, وبعد, منذ أن صدر الأمر الملكي رقم (أ/65) في يوم الجمعة 13/4/1432هـ القاضي بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ضمن الإصلاحات التي يهتم بها ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين ــ حفظه الله ـــ فإن هذا أصبح حديث أغلبية المواطنين في مجالسهم بالتأييد والإشادة والثناء لما يترتب على ذلك من دعم للجهات الرقابية والتنفيذية المخلصة, إذ إن أنظمة تجريم الفساد ومكافحته موجودة, وهي عديدة, لكن تحتاج إلى أجهزه قادرة على التنفيذ والرقابة الجادة, ولعل إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من أهم وسائل الدعم للجهات الرقابية كل في مجال اختصاصه, والهيئة معنية بتنفيذ الآليات المنصوص عليها في البند (رابعاً) من الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 43 في 1/2/1428هـ, وهذه الاستراتيجية تشتمل على مقدمة وافية موضح فيها جوانب عديدة لعل من أبرزها ذكر أمثلة للفساد عندما نص على أن ''ظاهرة الفساد تشمل جرائم متعددة مثل: الرشوة والمتاجرة بالنفوذ، إساءة استعمال السلطة, الإثراء غير المشروع, التلاعب بالمال العام واختلاسه أو تبديده أو إساءة استعماله, غسل الأموال, الجرائم المحاسبية, التزوير, تزييف العملة, الغش التجاري ...إلخ'', وأشير إلى ''.. إن الفساد لا يرتبط بنظام سياسي معين..''، وهذا صحيح, إذ يحصل في كثير من الدول، سواء كان النظام السياسي جمهورياً أو ملكياً, أو رأسماليا أو شيوعياً, وغير ذلك من الأنظمة المنتشرة في هذا العالم الدولي, لذلك أكد أن ''.. الفساد يعد ظاهرة دولية، وعامل قلق للمجتمع الدولي''، ولهذه الظاهرة أسباب متعددة منها ''..عدم اتساق الأنظمة، ومتطلبات الحياة الاجتماعية وضعف الرقابة''، وختمت المقدمة بعبارة أن المملكة وهي: ''.. تستمد أنظمتها من مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية عنيت بحماية النزاهة والأمانة، والتحذير من الفساد ومحاربته بكل صوره وأشكاله'', ومن هذا المنطلق حرصت على وضع وصياغة هذه الاستراتيجية في بنود أربعة نستعرضها تباعاً للفائدة.
أولاً: المنطلقات
1ـ (إن الدين الإسلامي الحنيف ـ عقيدة وشريعة ومنهج حياة ـ هو الركيزة الأساسية التي تحكم الاستراتيجية، وتعد كل عمل من شأنه الانحراف في الوظيفة العامة والخاصة عن مسارها الشرعي والنظامي الذي وجدت لخدمته فساداً وجريمة تستوجب العقاب في الدنيا والآخرة). وهذا إطار عام في تحديد الفساد باعتباره انحرافا في العمل الوظيفي عن الطريق القويم إذا ما خالف الشريعة الإسلامية والنظام الذي سنه ولي الأمر, وأنه متى ما ثبت الجرم، فإن مرتكبه يستحق العقاب الدنيوي المنصوص عليه في أحكام الشريعة الإسلامية, أو النظام وذلك على أسـاس قـاعدة ''لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص'', وفي النظام الأساسي للحكم نص واضح يتفق مع هذه القاعدة، وهي المادة 38 التي تقضي بأن ''العقوبة شخصية, ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي, أو نص نظامي..'', وهناك عقوبة في الآخرة, إذ إن مرتكب الجريمة لو أفلت من العقوبة في الدنيا, فإنه لا يمكن أن يفلت من عقوبة الآخرة.
2 ـ (إن حماية النزاهة ومكافحة الفساد تتحقق بشكل أفضل بتعزيز التعاون بين الأجهزة المختصة في المملكة بشكل مستمر). وهذا مبدأ أساسي لأنه لا يمكن أن تحمى النزاهة, ولا مكافحة الفساد إذا لم يكن هناك تعاون وتآزر من قبل الأجهزة الرقابية والأمنية كل في مجال اختصاصه, وبشكل دائم ومستمر، لأن الغاية والهدف واحد, وهو تحقيق الأمن والاستقرار والاستقامة في المجتمع باعتبار ذلك من مقومات الحياة المستقيمة التي يسود فيها العدل والمساواة.
3 ـ (إن الفساد يعوق التطوير والتنمية والاستثمار), ومما لا شك فيه أن الفساد من الأسباب الحقيقية التي تعوق التطوير والتنمية والاستثمار، فجرائم الفساد المتعددة, التي نوه عن أمثلة لها في المقدمة, تُعد من عوائق تحقق التطوير والتنمية والاستثمار.
4 ـ (إن الفساد مرتبط في بعض صوره بالنشاطات الإجرامية، وبخاصة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية), وهذا الارتباط بالجرائم المنظمة عبر الحدود يجعل الفساد فادحاً, وقاضياً كل مقومات الحياة في المجتمع مما يؤدي إلى اختلال الأمن والاستقرار.
5 ـ (إن ظهور مفاهيم وصور ووسائل حديثة للفساد وانتشارها تستلزم مراجعة وتقويماً مستمراً للسياسات والخطط والأنظمة والإجراءات والبرامج لمكافحة هذا الوباء الخطر), وما ذكر في هذه الفقرة إيضاح واضح عن ظهور مفاهيم وصور ووسائل حديثة لصنوف الفساد, بل انتشارها مما يقتضي ويستلزم المراجعة, والتقويم المستمر للسياسات والأنظمة والخطط والإجراءات والبرامج التي تنفذ في مجال مكافحة الفساد لما له من خطر وخيم, وهذا من أساسيات تفعيل سبل المكافحة بسياسات وأنظمة حديثة فاعلة تساعد الجهات الرقابية على القيام بدورها في الكشف والضبط والتحقيق, ومن ثم توجيه التهم لمقترفي جرائم الفساد بوقائع ظاهرة, وأدلة ثابتة أمام الجهات القضائية المختصة.
6 ـ (إن تحقيق حماية النزاهة ومكافحة الفساد يتطلب أيضا تعزيز التعاون بين الدول انطلاقاً من مبادئ القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية، وهذا مما يسهم في تعميق الثقة بين الدول وتهيئة مناخ أفضل للعلاقات فيما بينها)، والتأكيد على أهمية التعاون بين الدول، وفق المبادئ والمعاهدات الدولية باعتباره من مستلزمات القضاء على جرائم الفساد المنظمة عبر الحدود الوطنية للدول، وهذا أمر في غاية الأهمية، ولا يمكن الاستهانة به لتحقق نجاح مكافحة جرائم الفساد.
ما تقدم استعراضه هو ما جاء في المقدمة, والبند (أولاً) من الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد, وسأواصل استعراض ما بقي في مقالات لاحقة, راجياً أن يكون ما أبديه من تعليقات فيه الفائدة للقارئ الكريم, والله الموفق, والهادي إلى سواء السبيل, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي