رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل يصدق هؤلاء ما يقولون؟!

يبدو أن البعض لا يعطي نفسه فرصة التأمل والتفكير العميق في شأن ما يقوله, أو ما يبرر به البعض تصرفاته, أو تصرفات الآخرين, أو تحليله للأحداث التي تحيط به، ويتعامل معها سواء كان ذلك رغبة منه أو مرغماً عليها, وكما يقول المثل الشائع ''مكره أخاك لا بطل''. تأملت فيما سمعته من تصريحات رسمية جاءت على لسان بعض المسؤولين العرب خلال الأحداث التي شهدتها بعض الدول, فألفيت أن بعضها ربما يخجل من إطلاقها صاحبها فيما بعد لو تأمل فيها بصورة موضوعية, وسيدرك أنه تلفظ بهذه التبريرات أو التحليل بصورة تفقد أبسط قواعد المنطق أو المعقول.
في ظني أن البعض يطلق هذه الأشياء دون وعي حقيقي بما يقول, ولا يعني هذا أنه فاقد الوعي بفعل أي سبب, بل المقصود أنه لم يستخدم قدراته العقلية التي منحه الله كما يجب, كما أن البعض الآخر لا يأخذ في الاعتبار من يخاطب ومستواه الثقافي والتعليمي, ووعيه وخبراته السياسية, يطلق مقولاته متناسيا كل هذه الاعتبارات عند سامعيه, وكأنه لا يوجد على هذه الأرض من يدرك ويفهم ويعي الأمور على صورتها الحقيقية سواه. الأحداث التي شهدتها تونس رافقتها تحليلات ومقولات أقل ما يقال فيها إنها غير معقولة ولا يمكن استيعابها أو فهمها بأي صورة من الصور، إذ كيف يمكن تصديق أن مظاهرات تونس تقوم بها عصابات مندسة والمرء يشاهد الشوارع والساحات في المدن التونسية تنقلها الفضائيات؟ هل من يطلق مثل هذه التبريرات يستغفل الآخرين ويتهمهم في مستوى ذكائهم، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون عبارة تطلق بأي شكل من الأشكال دون اعتبار للآثار المترتبة على تجاهل الحقيقة, ودون اعتبار للصورة التي يرسمها الفرد أو الجهة التي تطلق مثل هذه المقولات التي تفتقد الحد الأدنى من المعقولية عن ذاته ــ أو ــ ذاتها؟
الصورة تتكرر في مواقع أخرى في عالمنا العربي, حيث إن الأمر نفسه حدث أثناء أحداث اليمن, إذ تبرر الأحداث بأنها بتدبير إسرائيلي وغرفة عمليات في واشنطن, ومن يسمع مثل هذه المقولات يتساءل وبعمق: هل يظن من أطلق هذه العبارات أنها ستجد القبول أم الرفض والاستخفاف؟ أما اتهام القاعدة بأنها وراء ما تواجهه أنظمة الدول التي وقعت فيها الأحداث فأمر غريب جداً, حيث اتهم القذافي القاعدة بأنها وراء الأحداث, وخوف الغرب منها وأبدى خوفه على أوروبا, والمنطقة بما في ذلك أمن إسرائيل, لكن فيما بعد هدد بالتعاون مع القاعدة للوقوف ضد التدخل الغربي, والغريب في الأمر أن القاعدة هي التي تكمن وراء مشكلات اليمن, وفي ظني أن مثل هذا التصريح يعطي القاعدة أكبر من حجمها ويضخمها, وكأن القاعدة دولة عظمى لها إمكاناتها وامتداداتها التي تمكنها من التأثير في هذه الشعوب بحيث تسيرها وتخرجها في الشوارع للتظاهر, ومواجهة أجهزة البطش التي تفتك في الأجساد العارية.
المشهد يتكرر في أحداث سورية حيث تم إطلاق التهم نفسها ضد من تظاهروا في المدن السورية, وبالأخص ما شهدته مدينة درعا حيث تم إلصاق تهمة الجماعات المندسة, بل العصابة المسلحة المندسة, وهل من أطلق مثل هذه العبارة يظن أن من يسمع مثل هذا التصريح سيصدق ذلك وهو يرى جموع الآلاف تجوب الشوارع تطالب بالحرية والإصلاح.
الناس تشاهد وبأمهات عيونهم أن المتظاهرين مسالمون ولا يحملون أية أسلحة، بل لا يحمل أي أحد منهم عصا أو حجارة, الأمر الذي لا يمكن تصديقه ما أشاعه النظام السوري من خلال وسائل إعلامه حين عرض أسلحة وأموالا يقول إنه تم العثور عليها داخل الجامع العمري في درعا .. هل من الممكن أن نجد شخصاً واحداً مهما كان مستوى ذكائه أن يصدق مثل هذه الادعاءات؟ كيف يمكن لعصابة مسلحة مندسة وبدعم خارجي أن تضع الأسلحة والأموال في مكان عام كالمسجد، الذي يرتاده الكثير من الناس ويخضع لمراقبه الجهات الأمنية الصارمة؟
بقي أن نقول إن العبارات والتعليلات المتكررة، المتمثلة في الأجندة الخارجية, والقاعدة, والمخططات الأجنبية التي تستهدف الوطن تمثل (كليشة) تتكرر في أكثر من مكان، ولا يمل أهلها تكرارها على أسماع الناس, وبالتأكيد أنها تمثل ثقافة النظام الرسمي العربي الذي فشل في إحداث التغيير الذي يتناسب مع احتياجات, الناس وطموحاتهم, وبما يتناسب مع متغيرات العصر وتطوراته. الإفلاس على الصعيد الواقعي والفعلي في حياة الناس والمجتمعات يرافقه إفلاس في التفكير, أو إخراج التبريرات للأحداث بالصورة التي تفتقد أدنى مستوى من المصداقية, تسطيح العقول وتقزيمها الذي تمارسه الجهات الرسمية ترافقه جهود تمارسها جهات أكاديمية و أكاديميون يحاولون أن يسوقوا الأكاذيب وتزوير الحقائق من خلال ما يعتقدون أنه رصيد أكاديمي لهم كأن يكون أحدهم أستاذ علم الاجتماع, أو أستاذا في العلوم السياسية، والحقيقة أن مثل هؤلاء لا يملكون من المعرفة أكثر من الشهادة التي يحملونها بصورتها الورقية.
إن خضوع الفرد لمشاعره وعواطفه الناتجة من الأزمة التي يمر بها تفقده الصواب وتجعله يسوق من الآراء ما لا يمكن قبوله والاقتناع به حتى إن كانت عملية التسويق في أبهى الحلل وأجمل العبارات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي