دعوة لتأسيس مؤشر «أسعار الواردات» لاحتواء التضخم المستورد
اقترح اقتصاديون سعوديون تأسيس مؤشر مستقل لأسعار الواردات إلى السعودية بغرض ضبط وقياس حجم تأثير التضخم المستورد على تكلفة المعيشة في المملكة، ووضع الحول الملائمة للتعامل معها.
وقال الاقتصاديون إنه وبفعل ارتفاع القوة الشرائية للأفراد وتنامي الإنفاق الحكومي كسياسة اقتصادية تنتهجها المملكة على المدى القصير والمتوسط فإنه بات من الملائم والمهم الحد من الزيادة المتوقعة على مؤشر التضخم السعودي خلال الشهور المقبلة، من خلال مراقبة أسعار السلع العالمية والوارادات التي تعتمد عليها المملكة في كل شيء تقريبا.
وأضافوا" كما أن شروع المملكة في معالجة العوامل الداخلية لرفع التضخم كمجموعات الترميم والإيجار والمساكن وكذلك الوقود والمواصلات عبر مجموعة من المشاريع الضخمة، يجعل من التركيز على العوامل الخارجية متطلب المرحلة المقبلة".
وحذر الاقتصاديون من أن هناك خططا متعمدة ومقصودة لنشر التضخم من قبل الأسواق التي تعاني من انكماش كأمريكا وأوروبا في الأسواق الناشئة في آسيا كالصين والهند والبرزايل ودول الخليج ومن بينها السعودية، بعد أن عمد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحتى الصين إلى رفع أسعار الفائدة.
وقال الاقتصاديون إنه إذ حدث نمو في التضخم خلال الربع الثاني من العام الجاري فإن النسبة الكبيرة تعود إلى عاملين أساسين بالدرجة الأولى وهما الجانب المحلي والمتمثل في ارتفاع القوة الشرائية للأفراد بسبب عدد من القرارات الحكومية المتعلقة بالتوظيف والإعانات، وعالمي من خلال ترقب موجة تضخم عالمية في الأسواق الناشئة والنامية.
#2#
الدكتور عبد الوهاب أبو داهش، مستشار اقتصادي يؤكد أن اعتماد مؤشر لأسعار الواردات سيمنح رؤية لمدى تأثير التضخم المستورد على التضخم في السعودية، مشيرا إلى أن المملكة تتمد بشكل كبير على الاستيراد لتلبية كل احتياجاتها.
وقال "التضخم المحلي يحدث بالدرجة الأولى بسبب الواردات، سواء كانت سلعا إنشائية أو غذائية أو استهلاكية، حتى أن مجموعة الترميم والإيجارات والتي تعد عوامل محلية مرتبطة بالواردات المتمثلة في مواد البناء المختلفة التي إن لم تكن مستوردة فمدخلاته مستوردة".
وبين أبوداهش أن رفع أسعار الفائدة من الصين والاتحاد الأوروبي وما نشهده من ارتفاع لأسعار النفط صاحبه قفزة في أسعار المعادن (ذهب، فضة، رصاص، ونحاس)، وتراجع في مخزونات القمح، وتحذيرات من عودة نمو أسعار الغذاء والسلع الأساسية، كلها مؤشرات تتطلب تغييرا في نمط قياس مؤشرات التضخم.
وزاد: "علينا أن نستعد بمؤشرات مثالية وواقعية ومنها وضع مقياس للواردات وكذلك البدء في التفكير الجدي للتعامل مع قيمة الريال من خلال رفع سعره أمام الدولار، والذي سيشكل تنفيذه امتصاصا كبيرا وواضحا للتضخم ورفع مستوى معيشة المواطن".
#4#
من ناحيته شدد الدكتور عبد العزيز الغدير خبير ومحلل اقتصادي أن العام 2011 يمكن أن يشهد تحولا للتضخم بحيث يصبح ذا مظهر عالمي، موضحا أن صناع السياسة النقدية في العالم يرغبون في زيادة التكاليف على بعض الدول، كما أن تنامي أسعار المعادن والسلع الأساسية سيعمل على رفع الواردات.
وأضاف "على المدى القصير سنشهد نموا للتضخم مصدره الإنفاق الحكومي ولكن على المديين المتوسط والبعيد سيكون للعوامل المستوردة الأثر الأكبر".
وقال الغدير إن الواردات ستظل محورا أساسيا في مسار الأسعار وتكلفة المعيشة محليا، حتى لو تمت معالجة العوامل الداخلية، مشيرا إلى أن العودة للمستويات التاريخية للتضخم عند مستوى 3 في المائة لم تعد مطروحة رغم أن ذلك هدف نبيل. وزاد: "بقاء التضخم اليوم عند مستوى 5 في المائة مقبول في ظل المعطيات الراهنة".
#3#
في المقابل عد الدكتور إحسان أبو حليقة، خبير اقتصادي، أن تأثير التضخم المستورد على تكلفة المعيشة في المملكة "محدود"، وقال: "ارتفاع أسعار السلع الأساسية يتعلق بجلب التضخم غير النقدي، والمتلعق بالطلب وحجم التداول للسلع في الأسواق العالمية، لكن الملاحظ محليا أن الإنفاق الحكومي والقوة الشرائية للأفراد باتت المؤثر الأكبر على التضخم".
وبين أبو حليقة أن كل العناصر المرتبطة بالتضخم متداخلة ولا يمكن فصلها، لكن ذلك لا يمنع من القول إن هناك تأثيرا سيأتي من منطقة اليورو رغم محدوديته.
وتابع: "هناك نقطة يجب التنبه لها وهي أن مسار التضخم حتى الآن يعد في مناطق أقل من توقعات المراقبين، فمعدل 5 في المائة لا يشكل قلقا بالقدر الذي أحدثته معدلات التضخم في 2008 والتي بلغت نحو 10 في المائة.. ولكننا نتوقع أن تنمو تلك النسبة خلال الربع الثاني من 2011 بسبب ظهور تأثيرات الزيادة الإنفاقية محليا".
#5#
وتأتي مطالب الاقتصاديين بعد أن كان قد كشف تقرير صادر من دائرة الاقتصاد والبحوث في "جدوى للاستثمار" قبل نحو شهر، أن معدل التضخم سيفوق التقديرات التي أعلنت عنها سابقا دائرة الاقتصاد والبحوث في "جدوى" بقليل، وذلك على المدى القصير بسبب الزيادة الهائلة في الإنفاق الاستهلاكي، فيما توقع أن تؤدي الزيادة على المدى المتوسط في توافر المساكن إلى خفض الضغوط التضخمية بدرجة ملحوظة.
وأضاف: "سيؤدي قرار الملك منح موظفي الدولة راتب شهرين إضافيين إلى انطلاق مكافآت مشابهة لدى القطاع الخاص، وستؤدي هذه الزيادات في القطاعين إلى إحداث زيادة كبيرة في الإنفاق خلال عام 2011.
كذلك من المنتظر أن تعزز إعانة الباحثين عن العمل التي يبدأ تطبيقها في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل من حجم الإنفاق، حيث ينزع الأشخاص محدودو الدخل عموما إلى الإنفاق أكثر من أصحاب الدخول المرتفعة من حيث نسبة هذا الإنفاق إلى إجمالي الدخل".
وزاد: ''علاوة على ذلك هناك عوامل أخرى أثرت في التضخم، فزيادة مرتبات موظفي الدولة بنسبة 15 في المائة التي بدأ تطبيقها منذ آب (أغسطس) 2005 أسهمت على الأرجح في ارتفاع التضخم الذي شهدته المرحلة اللاحقة، حيث ارتفع معدل التضخم في 28 من الـ 34 شهرا التي أعقبت تطبيق القرار".
ورجح التقرير أن تؤدي زيادة الإنفاق الاستهلاكي إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية التي يستورد الكثير منها من الخارج، "كما أن أسعار النفط المتزايدة ستزيد من تكاليف النقل والتي ربما يتم تمريرها أيضا إلى المستهلك من خلال رفع أسعار السلع المستوردة.
لكن من ناحية أخرى، لا نتوقع ازدياد أسعار الصرف الذي يؤدي إلى ازدياد التضخم المستورد، إضافة إلى أن ارتفاع أسعار النفط خلافا للمناسبات السابقة لن يكون مصحوبا بتراجع في قيمة الدولار".