المادة 76 ودهاليز المجلس
نظام الشركات السعودي الصادر عام 1385هـ، الذي يفترض أن نحتفل له بعد ثلاث سنوات باليوبيل الفضي. جاء النظام في 15 بابا، شملت 234 مادة. خضع هذا النظام للعديد من التعديلات لبعض مواده بدءا من عام 1387هـ حتى عام 1429هـ، حتى قاربت هذه الملاحظات والتعديلات حجم النظام الأساس. ولعل هذا يكون سببا رئيسا في تأخر مخاض صدور النظام الجديد للشركات، الذي نسمع عنه بين الحين والآخر. ونجهل حقا أسباب تأخر صدوره، ألعدم وجود خبراء في صياغة الأنظمة والقوانين، أم لانعدام أهمية مثل هذه الأنظمة أساسا؟.
في الفترة القريبة الماضية، تواردت الأنباء عن إحالة هذا النظام إلى مجلس الشورى للدراسة وإقرار التعديلات النهائية عليه، حيث إنه من غير المعقول أن تعمل المملكة بنظام أسس قبل ما يوازي نصف قرن، مع اختلاف كل المعطيات في ممارسة أعمال الشركات عن ذلك العصر. وعلى ذلك فالنظام الجديد وفقا لما نشر عنه سيأتي في 12 بابا، يتفرع منها 226 مادة (''الاقتصادية'' ـــ العدد 6327).
النظام الجديد أقر بكامل مواده من مجلس الشورى، ما عدا المادة 76 منه، التي لم تجد القبول من قبل ما يقارب 70 في المائة من أعضاء المجلس. والخلاف كان على من يملك صلاحية تحديد مكافأة أعضاء مجلس إدارة الشركات، أيترك الأمر لوزير التجارة، أم تمنح الصلاحية للجمعية العمومية للشركة (''عكاظ'' ـــ العدد 3529).
المادة 76 في النظام المتوقع إصداره، تأتي إحلالا للمادة 74 من النظام القديم، التي تنص على ''ويجوز أن تكون هذه المكافأة راتباً معيناً أو بدل حضور عن الجلسات أو مزايا عينية أو نسبة معينة من الأرباح، ويجوز الجمع بين اثنتين أو أكثر من هذه المزايا''.
ومع ذلك إذا كانت المكافأة نسبة معينة من أرباح الشركة فلا يجوز أن تزيد هذه النسبة على 10 في المائة من الأرباح الصافية بعد خصم المصروفات والاستهلاكات والاحتياطات التي قررتها الجمعية العامة تطبيقاً لأحكام هذا النظام أو لنصوص نظام الشركة وبعد توزيع ربح على المساهمين لا يقل عن 5 في المائة من رأسمال الشركة. وكل تقدير يخالف ذلك يكون باطلاً'' (نظام الشركات، موقع وزارة التجارة، ص10). عدلت هذه المادة بناء على القرار الوزاري رقم 1071 وتاريخ 2/11/1412هـ المعتمد على قرار مجلس الوزراء لتحوز المادة التفصيلات التالية ''مادة (1): يكون الحد الأقصى للمكافأة السنوية لعضو مجلس الإدارة في الشركات المساهمة المشار إليها التي ينص نظامها على أن تكون مكافأة أعضاء مجلس الإدارة نسبة معينة من الأرباح 200 ألف ريال. على أن تصرف هذه المكافأة من الأرباح بعد توزيع ربح على المساهمين لا يقل عن 5 في المائة من رأسمال الشركة.
مادة (2): يكون الحد الأقصى لبدل الحضور ثلاثة آلاف ريال عن كل جلسة من جلسات مجلس الإدارة.
مادة (3): يجوز أن تقرر الجمعية العامة للشركة أن تكون المكافأة السنوية أو بدل الحضور أو كلاهما أقل من الحد الأقصى المشار إليه'' (نظام الشركات، موقع وزارة التجارة، ص36).
أما النص المقترح للمادة 76 فجاء علي النحو التالي ''يبين نظام الشركة الأساس طريقة مكافأة أعضاء مجلس الإدارة، ويجوز أن تكون هذه المكافأة راتبا معينا أو بدل حضور عن الجلسات أو مزايا عينية أو نسبة معينة من صافي الأرباح، ويجوز الجمع بين اثنتين أو أكثر من هذه المزايا، فإذا كانت المكافأة نسبة معينة من أرباح الشركة فلا يجوز أن تزيد هذه النسبة على 10 في المائة من صافي الأرباح، وبعد توزيع ربح على المساهمين لا يقل عن 5 في المائة من رأسمال الشركة المدفوع، على أن يكون استحقاق هذه المكافأة متناسبا مع عدد الجلسات التي يحضرها العضو، وكل تقدير يخالف ذلك يكون باطلا''. وشددت المادة أيضا على أنه ـــ وفي جميع الأحوال ـــ لا يتجاوز مجموع ما يحصل عليه عضو مجلس الإدارة من مكافآت ومزايا مالية أو عينية مبلغ 500 ألف ريال سنويا'' (''الاقتصادية'' ـــ العدد 6364). وهذا النص النهائي، والذي صدرت التوصية به من مجلس الشورى.
في الوقت نفسه نجد أن من ضمن مواد لائحة حوكمة الشركات، وتحديدا المادة الـ 17، ما يشير إلى طريقة مكافآت أعضاء المجلس بالنص ''يبين نظام الشركة طريقة مكافآت أعضاء مجلس الإدارة ويجوز أن تكون هذه المكافآت راتباً معيناً أو بدل حضور عن الجلسات أو مزايا عينية أو نسبة معينة من الأرباح، ويجوز الجمع بين اثنتين أو أكثر من هذه المزايا'' (لائحة حوكمة الشركات، ص14).
الملاحظ أن معدي نظام الشركات لم يستفيدوا كثيرا من المادة 74 في النظام القديم، والتعديلات التي طرأت عليها، فوجود مادة بهذا الشكل سيتحتم معه البحث عن تفسيرات أكثر، قد تأتي لاحقا، وهذا يعني أننا نبقى في الدائرة نفسها، إصدار نظام مجمل، نبحث عن مخارج أو نفسره تفسيرات حسب الهوى، وهذا ينافي متطلبات وجود النظام.
من الملاحظ أيضا التداخل بين وزارة التجارة، وهيئة سوق المال في إصدار اللوائح فيما يتعلق بالشركات المساهمة، إضافة إلى وجود جهة ثالثة قد تكون طرفا في التفسيرات, خاصة للشركات المالية والبنوك وشركات التأمين، وهي مؤسسة النقد، والنظام لم يتطرق لهذا التعارض أو يحاول أن يفصل الصلاحيات والمسؤوليات بين المؤسسات الثلاث.
اعتراض ما يزيد على ثلثي مجلس الشورى علي نص المادة، من بين بقية مواد النظام يدعو إلى التساؤل، هل كان الاعتراض على زيادة أو نقص مقدار ما سيحصل عليه عضو مجلس الإدارة؟ الحقيقة الأنباء الصحافية لم تحدد ذلك صراحة. كنت أتمني أن يركز الأعضاء على منح هيئة سوق المال صلاحيات ومرونة أكبر فيما يتعلق بالشركات المساهمة على الأقل لصياغة أنظمة الشركات.
المستخلص من الاختلافات بين المادتين 74 في النظام السالف، والمادة 76 في النظام المتوقع، تكاد تكون في تحديد السقف الأعلى للمكافآت السنوية للعضو، فقد زيدت من 200 ألف ريال إلى نصف مليون ريال، وهذا يوحي بأن الاعتراض كان اعتراضا على قلة ما يتقاضاه العضو، خصوصا أن عددا ليس بالقليل من أعضاء مجلس الشورى سبق أن تولوا عضوية مجالس بعض إدارات الشركات. في حين أنه لم تركز المادة على أن تربط نسبة المكافأة بأرباح الشركة، أو الميزات العينية (كأسهم أو سندات).
أعضاء مجلس الإدارة يتولون أعمالا مهمة في مسيرة توجيه وقيادة الشركات، وهم الأداة التي يطمئن إليها المساهمون في الرقابة على أداء الإدارة التنفيذية، وتوجيه دفة القيادة في المنظورين القريب والبعيد، إلا أن النظام لم يتطرق لمسؤوليات أعضاء المجلس، وطريقة محاسبتهم في حالة التقصير أو الإخلال بأداء العمل.
مما سبق، أعتقد أن النظام الجديد لن يختلف كثيرا عن النظام السابق، بل سيعطي مهمة عضوية المجلس ميزات أكثر سيحرص الأعضاء علي الحصول عليها، في حين أغفل دور هيئة سوق المال ولائحة الحوكمة في وضع الأطر الملائمة لتنظيم عضوية مجلس الإدارة وما يتعلق بها من مسؤوليات ومكافآت.