لا وجود لمدن سعودية في القائمة العالمية 2025
المدينة، والتحضر، والاقتصاد، والمنافسة هي أربعة أطراف لأي منظومة اقتصادية تعمل بشكل متجانس بما يسهم في نمو المنظومة الاقتصادية واستدامتها. أي خلل في عمل أحد هذه الأطراف يحمل في طياته إسهامات سلبية في نمو هذه المنظومة أو تلك.
فالمدينة هي أي تجمع سكاني يصل عدد سكانه إلى خمسة آلاف نسمة أو أكثر. والتحضر في هذا السياق هو المسؤول عن وصف التجمع السكاني في المدينة أو غير ذلك من الوصف. فالتحضر يطلق على نسبة السكان في هذا التجمع السكاني. وزيادة عدد المدن ومعدلات التحضر هما مطلبان رئيسان لأي حراك اقتصادي. فالحراك الاقتصادي لا يمكن أن يقوم دون توافر حد أدنى من السكان القائمين على هذا الحراك.
وعندما ينمو الحراك الاقتصادي في مدينة ما، فإن ذلك يسهم بالإيجاب في النمو الاقتصادي لاقتصاد الدولة التي توجد فيها هذه المدينة. ومع تزايد أعداد المدن ذات الحراك الاقتصادي في اقتصاد الدولة الواحدة، يستديم اقتصاد هذه الدولة ويبدأ بالمنافسة في زيادة درجة تأثيره في الاقتصاد العالمي وتأثره به في الوقت ذاته.
كان عدد المدن في السعودية في 1973، بلغ 58 مدينة. تطور هذا العدد خلال الـ 40 عاما الماضية ليصل إلى 245 مدينة في 2010، حسب النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن المعلنة من مصلحة الإحصاءات العامة. وعلى الرغم من معدل النمو الكبير طيلة العقود الأربعة الماضية في عدد المدن السعودية، إلا أن نسبة المدن السعودية من إجمالي عدد مدن العالم ما زال دون المأمول. فعدد المدن السعودية تشكل قرابة 0.7 في المائة من إجمالي مدن العالم، حسب إحصاءات صندوق السكان التابع لمنظمة الأمم المتحدة. يقودنا ذلك إلى التساؤل عن الدور الاقتصادي للمدن السعودية في خريطة العالم الاقتصادية ليس في الوقت الراهن، وإنما في المستقبل آخذين في الاعتبار رؤية الاقتصاد السعودي الطموحة في تبوء دور أكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي بحلول 2025.
صدر عن معهد ماكينزي العالمي نهاية الأسبوع الماضي تقرير بعنوان ''العالم الحضري: وضع خريطة للقوى الاقتصادية للمدن''. هدف التقرير إلى استقراء أهم 600 مدينة حول العالم ستسهم في إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد العالمي بحلول 2025. روعي في التصنيف ألا يقل عدد سكان المدينة الواحدة عن 150 ألف نسمة. تشكّل بناءً على ذلك هذه المدن قرابة 20 في المائة من إجمالي عدد مدن العالم التي يزيد عدد سكانها على 150 ألف نسمة.
اعتمد التقرير في منهجيته على مجموعة من العوامل الاقتصادية ذات العلاقة باقتصادات المدن. من هذه العوامل إجمالي الناتج المحلي، ونصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، ومعدل نمو إجمالي الناتج المحلي، وإجمالي عدد السكان، وإجمالي عدد السكان دون الـ 15، وعدد الأسر، ومعدل دخل الأسرة الواحدة. دمجت هذه العوامل لقرابة ألفي مدينة حول العالم، ومن ثم صنّفت من الأعلى مساهمة في إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد العالمي فالأقل مساهمة. سميت هذه القائمة بـ ''قائمة أهم 600 مدينة في 2010''.
أعيدت هذه العملية مرة أخرى بعد تعديلات النمو الاقتصاد المتوقعة للـ 2000 مدينة بحلول 2025 للخروج بنسخة مستقبلية من القائمة، ''قائمة أهم 600 مدينة في 2025''. ومع الأخذ في الاعتبار إمكانية تعارض مصالح معهد ماكينزي العالمي مع شقيقة مؤسسة ماكينزي العالمية لإدارة الاستشارات، إلا أن ذلك لا يمنع من الأخذ من نتائج التقرير ما يساعدنا على النظر إلى تطوّر اقتصادات مدن العالم بما يسهم بالخروج بقراءة أكثر دقة حول مستقبل المدن السعودية واقتصاداتها.
توقع التقرير أن ينمو إجمالي الناتج المحلي لأهم 600 مدينة حول العالم بمقدار 34 تريليون دولار أمريكي من 2007 إلى 2025. وتوقع التقرير كذلك أن تسهم مدن متوسطة الحجم في الوقت الراهن بقرابة 60 في المائة من هذا الناتج بحلول 2025، عطفاً على حالات النمو الاقتصادي التي تشهدها هذه المدن اليوم وما تعمل عليه من استقطاب مراكز اقتصادية إليها بهدف المساهمة في توسّع دورها في خريطة العالم الاقتصادية. من هذه المدن على سبيل المثال، مدن هيربن، وشانتو، وجوآن الصينية، وحيدر أباد، وسرات الهنديتان، وكنكون، بارانكويلا، المكسيكية، والكولمبية، على التوالي.
من الملاحظات التي نخرج بها من التقرير غياب المدن السعودية عن قائمة أهم 25 مدينة حول العالم بحلول 2025. فغياب المدن السعودية عن هذه القائمة لم يرتبط بعامل إجمالي الناتج المحلي فحسب، ولكن تعداها إلى عوامل القياس الأخرى، كنصيب الفرد في المدينة من إجمالي الناتج المحلي، ومعدل نمو إجمالي الناتج المحلي للمدينة، وإجمالي عدد الأسر في المدينة، ومعدل دخل الأسرة الواحدة في المدينة.
وإذا أخذنا في الاعتبار النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن المعلنة في 2011 من مصلحة الإحصاءات العامة ووجود 23 مدينة سعودية من أصل 245 مدينة سعودية يزيد عدد سكانها على 150 ألف نسمة، وبالتالي يمكن أن تدخل في قائمة الـ 600 مدينة حول العالم، فإنني أتساءل: هل هناك مدينة أو مدن سعودية نستهدف أن تكون مدنا عالمية من ضمن قائمة أكثر المدن حول العالم تأثيراً في إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد العالمي؟ وما هذه المدينة أو المدن؟
وما الإجراءات على أرض واقع هذه المدينة أو المدن لبلوغ الهدف؟ ولماذا لم يرد ذكر اسم هذه المدينة أو المدن في القائمة؟ ومن المسؤول عن متابعة إجراءات إدراج هذه المدينة أو المدن في القائمة؟
مجموعة من التساؤلات التي تستأنس الإجابة ليس من المسؤول الاقتصادي في كل مدينة سعودية مستهدفة لتكون مدينة عالمية فحسب، وإنما للمسؤول السياسي في هذه المدن السعودية، ومجتمعاتها المدنية، وجميع سكانها.