استثمار الدعم في تطوير الصحة الإلكترونية (2 من 2)

في البداية، كموارد بشرية لدينا على مستوى المملكة أكثر من ألف خريج سنويا في تخصص الحاسب الآلي وما يقارب نصفهم من خريجي كليات العلوم والهندسة في التخصص ذاته. هذا عدا المتخصصين في المعلومات ممن درسوا هذا المجال باستخدام الحاسب في كليات أو أقسام المكتبات والمعلومات. بعد عامين سيتضاعف هذا العدد، بل سنستقبل بعضا من المبتعثين أيضا وقد تدربوا مهنيا على العمل في هذا المجال وبالذات في القطاع الصحي؛ مما يجعل العدد يقارب خمسة آلاف شاب وشابة أليس هذا العدد مناسبا لوضع خطة للاستفادة منهم في التحليل والبرمجة والتشغيل والتصنيف والفهرسة الإلكترونية وتطبيق برامج الجودة... إلخ؟. هؤلاء لا يحتاجون إلا للتدريب الميداني والثقافة الوظيفية المهنية للتمشي بما تم إقراره. لا بد أن تستعرض تجارب كثير من المرافق الصحية العالمية المنشورة منذ عام 2000 للتعرف على آليات تناول المشكلة ومحاولة تطبيق ما يتماشى مع نظامنا لئلا نجد أنفسنا أمام مشاكل مثل قصور في أعداد العاملين ومهارات القوى العاملة وغيرها مما يبعث بالإحباط وانحسار الأمل في التغيير ورمي التبعات على ''الموارد البشرية''.
لِمَ لا نبدأ مثلا بمدينتي الرياض وجدة للخروج بأول تقرير في نهاية هذا العام مفندا لكل العوائق وراصدا لجميع الحوادث التي تحدد مشاكل في مرافق كل جهة في كل مدينة؟.. هذا سيجعلنا نتعرف على الظروف المحيطة بكل جهاز أثناء التشغيل. كما سنعرف ما إذا كان التحول للملف الطبي الإلكتروني مسألة تتعلق بالمرفق الصحي فقط أم بهيئات أخرى أو جهات لها علاقة من غير القطاع الصحي تلعب دورا رئيسا في تحسين نوعية الموارد البشرية ومهاراتهم في العمل المتخصص. من ناحية أخرى، قد يكون التوجه نحو اعتماد المنشآت الطبية أحد أفضل السبل في رفع المستوى التقني بكل مرفق فيعين المسؤولين بالاهتمام بالمعايير بشكل واقعي وحقيقي، ويكون منح الاعتماد واقعيا مبنيا على توافر عناصر أفضل الأداء في تقديم الخدمات الصحية بشريا وآليا. بعد ذلك يمكن لنا أن نهتم بالمناطق الأخرى وقد تكونت لدينا الخبرة وحددت قنوات الإنفاق بشكل صحيح وتكون النقلة النوعية للمرافق الصحية في المناطق الأقل كثافة سكانية أو الطرفية مسألة تعويض في المعادلة بنسب تسمح بتشغيل المرفق الصحي بكفاءة عالية صحيا وتقنيا إلكترونيا.
إذا ما أردنا أن نهتم بهذا الأمر حسابيا فإن تكلفة استكمال وضع نظام حاسوبي يربط السجلات بالعيادات والأقسام والأجهزة المرتبطة بأجهزة الفحص السريري وأجهزة المختبرات والأشعة والموارد البشرية والصيدليات والاتصالات عن بعد، لا بد أن تضم في المعادلة عدد الأطباء ومستوياتهم التخصصية وحجم عياداتهم ومراجعاتهم، إضافة إلى مدة التركيب والتشغيل والتدريب وعدد المتدربين. قد نصل بهذه التقديرات إلى أرقام متفاوتة من مدرسة إلى أخرى، ولكن الرقم الممكن أن يبدأ به كل منهم في أول خمسة سنوات ستبلغ بين 50 إلى 100 ألف ريال لكل سرير سنويا. ومع تصاعد تكاليف الخدمة سيتضاعف هذا الرقم؛ مما يجعل النمو الأفقي خيارا متروكا للقطاع الخاص كي يسهم فيه وتشتري الوزارة الخدمة لضمان تقديمها بشكل أكثر جودة. ثم إنه يفرغ الوزارة لعمليات التطوير واعتماد المرافق الصحية لتكون المرافق الصحية الحكومية في أرقى مستوياتها بعد خمس سنوات من الآن وهو النمو الرأسي للخدمة.
إن التركيز على هذا الجانب سيقلل، بل قد يلغي كثيرا من الأسباب التي تؤرق المسؤول مثل: (1) استمرار الجزر الصحية متفردة وهي في قطاع واحد. (2) التفاوت الكبير في قيمة تكلفة السرير بين الجهات المقدمة للخدمة. (3) التباين الواضح في مستويات الشهادات والتخصصات والخلفيات لمنسوبي الجهات المختلفة. (4) زيادة أسعار البرامج وتطويرها سنويا وصعوبة التحديث التلقائي لما يتضمن ذلك تدريب وتوعية ... إلخ. (5) بطء المراسلات وتبادل البيانات الصحية بين مقدمي الخدمة وبين الجهات وشركات التامين. (6) ضعف المقاولين - مع كثرتهم - وضعف الموارد البشرية التي تستقدم للتشغيل الذي أضاف للمشكلة أبعادا جديدة مع بداية الألفية الثالثة. كحل يمكن مثلا: استقطاب ألف خبير أو عامل من إحدى الدول الكبيرة كالصين أو الهند وضم ألفين من السعوديين والسعوديات المتخرجين في التخصصات الصحية والمعلوماتية والحاسب الآلي والقيام بتجربة تنفيذ الأعمال الخدمية التقنية والتطويرية عن طريق هذه المجموعة. وتحت إشراف مهني جيد نبدأ في التخلي التدريجي عن العمالة الوافدة ليكون الإحلال لهذه المجموعة وأي مجموعات موجودة سلفا في غضون ثماني سنوات من الآن. هكذا ستكون نسبة توطين وسعودة الوظائف بمتخصصين مهرة تتنامي لنسبة 90 في المائة، حيث يعتبر مثاليا جدا إذا اجتهدنا في تطبيق خططنا بشكل سليم.
أخيرا.. الصحة الإلكترونية ليست فقط سجلات طبية وتبادل بيانات وتحويل ملفات، فمنظمة الصحة العالمية عرفت ''الصحة الإلكترونية'' بأنها ''احتواء تكاليف وتأمين استخدام تقنية المعلومات والاتصالات في تعزيز الصحة وما يتعلق بها في الحقول كافة. من ذلك خدمات تقديم الرعاية الصحية، المسح والاستقصاء الصحي والأدبيات المنشورة عن الصحة والتوعية الصحية والتعليم الصحي والبحوث الصحية''. هذا ييسر مفهوم مجال تطوير الخدمات الصحية بأنواعها كافة ابتداءً من التثقيف الصحي لصحة عامة وانتهاء بالتعليم الصحي العالي والمتقدم. كما يعني ''مع أن النمو الأفقي مطلوب كتأسيس للبنى التحتية وضمان عدالة تقديم الخدمة بتوزيع متكافئ إلا أن التحدي الكبير هو النمو الراسي للخدمات، وهذا يكمن في استخدام التقنية لتحسين وتطوير آلية الفحص والكشف والتدخل العلاجي في أي وقت وبأي أسلوب وبأحدث الأدوات والتجهيزات عن طريق البحث والتعليم والتدريب''. فهلا بدأنا بمواجهة أحد أكثر التحديات شراسة في تطوير قطاع الخدمات الصحية، وهو احتواء تصاعد تكاليف تطوير برامج الصحة الإلكترونية؟. وأعان الله الجميع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي