طبيعة الفساد
تجربتي مع الصداقات على أرض الواقع تجعلني دوما أحرص على أن أحتفظ بخط شفاف بيني وبين من يعجبني من بعيد. سواء كان هذا كاتبا في صحيفة أخرى، أو صديقا تعرفت عليه من خلال الفضاء الافتراضي.
الناس من بعيد يبدون لي بصورة جميلة وزاهية. عادة أفضل أن أحتفظ بهذه الصورة، ولا أستسيغ التعمق في المعرفة، لأن هذا الأمر يجعلك تدخل في المنطقة التي تبدأ فيها في استكشاف الذوات دون أي ساتر شفاف.
هذا الأمر يثير الإحباط، حيث تتغير اللغة ويتبدل التعامل. يصبح الإنسان عاريا، تبدو سوءاته وأخطاؤه، وتناقضاته وأكاذيبه.
القارئ من بعيد، يعرف عن الكاتب أو الرياضي أو الفنان أو السياسي أو المفكر جانبه الذي يتعلق به. وهو غالبا يمارس فصلا كبيرا بين هذا الذي جذبه إلى هذا الشخص، وبين بشرية هذا الإنسان، وبين حالة النفاق التي قد لا يسلم منها أي إنسان، أو حالة العنصرية التي قد لا يتخطاها رغم أنه يرفع عقيرته بالحديث عن اللاعنصرية وعن العدل وغيرها من القيم الإنسانية التي تتوارى في منطقة الممارسة الفعلية التي لا يراها من يقرأ.
هذا الالتباس، بين التسويق الثقافي الجميل، والممارسة التي تطأ على الكلمات، يكاد يصبح حالة تخرج من الاستثناء إلى القاعدة. من يحذر من الفساد يمارس الفساد. من يرفع عقيرته بضرورة احترام النظام لا يجد حرجا في تجاوز الإشارة الحمراء. من يطالب بالشفافية في التوظيف لا يتردد في البحث عن واسطة لتوظيف ابنته أو شقيقته، وأحيانا يأخذ مواقف غير مرئية، يدفع ثمنها أناس لم يستجيبوا له، فيعمل على إسقاطهم، ليس لأنهم فاسدون، بل لأنه يريد توصيف الفساد وفقا لمصالحه.
إذا أعجبتكم أفكار جميلة ومميزة، لا تحاولوا أن تربطوها بقائلها حتى لا تصيبكم الخيبة. مارسوها لأنها جميلة. وإن رأيتم قائلها يخالفها، اعتبروا أن هذه هي طبائع الحياة.