تسونامي اليابان نموذج حي لتشدد شركات التأمين
أعادت موجات المد التسونامي الذي حصل في اليابان في 11 مارس الماضي، الحديث عن تغطية شركات التأمين لهذا النوع من المخاطر والمتمثلة بالحوادث البيئة الخطيرة، بما تشمله من فيضانات وزلازل وبراكين وإشعاعات نووية وغيرها من مخاطر عامة أخرى. فموجات المد التسونامي التي حصلت في هذا البلد النائي والتي نشأت إثر الزلزال المدمر الذي تعرض له، وما يدور الآن من حديث عن تسربات إشعاعية خطيرة نشأت بسبب تعرض المنشآت النووية في هذا البلد للتدمير جراء الزلزال، هي في حقيقة الأمر النموذج الحي من المخاطر التي لا ترغب شركات التأمين بتغطيتها إلا وفق إجراءات وشروط خاصة، وأغلب وثائق التأمين تستبعدها بشكل صريح وعلني.
ولعل الخسائر التي ترتبت على هذه المخاطر هي النموذج الحي الآخر الذي يجعلنا نتفهم نوعاً ما سبب ابتعاد شركات التأمين عن تغطية هذه المخاطر، فالنتائج التي تترتب على هذه المخاطر مدمرة إلى أبعد الحدود. فقد شاهدنا على شاشات التلفاز كيف اجتاحت الأمواج العاتية والعالية سواحل شمال شرق اليابان فمحت مدناً بكاملها، وابتلعت كل شيء وأعادتها خرائبَ كأن لم تكن يوما ما مأهولة أو مرت عليها حياة، ولذلك فإن شركات التأمين تستبعد تغطية هذه المخاطر في وثائقها القياسية بل وتجتهد هذه الشركات ومن ورائها شركات إعادة التأمين في اختيار الألفاظ الدقيقة التي تدل على حساسية هذه الشركات تجاه هذا النوع من المخاطر.
ولو أخذنا الوثائق التأمينية المعمول بها في المملكة، نجد أنها كذلك تستبعد بشكل صريح تغطية مثل هذه المخاطر، فمثلا نجد في إحدى الوثائق الشائعة الاستعمال في المملكة أن التغطية لا تشمل الأعاصير والزوابع والفيضانات والزلازل والبراكين أو أية اضطرابات جوية أو أية تمخضات جوية أخرى، ولك عزيزي القارئ استنتاج ما هي التمخضات الجوية التي تشير إليها هذه الوثيقة. كما أننا نجد أن هذه الوثيقة تستثني الخسائر المترتبة على الأضرار الناجمة عن استخدام الأسلحة النووية أو الإشعاعات الأيونية أو التلوث بالإشعاع أو أية نفايات نووية ناتجة عن احتراق أو انشطار نووي, مما يدل على أن هذه الشركات لديها موقف دقيق من التغطيات المرتبطة بمثل هذه المخاطر.
والسبب الذي يدفع شركات التأمين إلى أن لا تقوم بتغطية هذه المخاطر هو أن هذه المخاطر لا يمكن التنبؤ بحصولها ولا يمكن كذلك قياس الخسائر التي تترتب عليها. وهي غالباً ما تكون خسائر فادحة وغير متوقعة، كما أن شركات إعادة التأمين لا تقبل بإعادة التأمين على مثل هذا النوع من المخاطر إلا وفق تأمين خاص ووفق شروط خاصة كما أسلفت. وإذا تدبرنا في الأمر فإننا نلحظ أن هذه المخاطر البيئية ولاسيما الفيضانات أصبحت واقعاً نعايشه في بيئتنا.
كما أن بيئتنا ليست بمعزل عن التأثر بما يحيط بنا من مخاطر، هذا إضافة إلى أن المخاطر النووية وكذلك التسربات الإشعاعية أصبحت تهدد سكان الكرة الأرضية جميعاً، وخطرها لا يكون منحصراً في المكان الذي حصل فيه الحادث، بل إنها تنتقل عبر الفضاء الواسع ليشمل ضررها كثيراً من البلدان. كما أن التبادل التجاري بين الدول أصبح شائعاً وبشكل يُخشى منه دخول الأغذية والسلع الملوثة بالإشعاعات إلى بلدان لم يكن في حسبانها أن تكون في يوم من الأيام عرضة لأي تأثير إشعاعي. ولهذا فوجود تشريعات لحماية الناس من المخاطر البيئية والصناعية والتقنيّة، وإلزام المعنيين بأن تكون وثائق تأمينهم شاملة للأضرار المرتبطة بهذه المخاطر، هو أمر مهم جداً ولا سيما التجار الذين قد يُدخلون سلعاً إلى المملكة تتضمن مخاطر مستثناة في وثائق التأمين العادية ولا يتنبهون إلى خطورة مثل هذه الاستثناءات.