رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الطاقة النووية .. رُبَّ حادثة واحدة أبلغ من ألف مقال

على الرغم من أن ما حدث أخيرا للمفاعلات النووية اليابانية نتيجة للتأثير الزلزالي والتوسنامي اللذين ضربا السواحل اليابانية لم يكن الأول في العالم الذي تتعرض له مرافق توليد ذرية، فإن الصدمة العالمية لهذه الحادثة كانت الأقسى. ربما كان ذلك بسبب الإعلام المنفتح والمشاهد المباشرة من موقع الحدث التي أصبحت اليوم تلعب دورا بارزا في تجسيد المعانات البشرية والمجهود الكبير الذي تبذله السلطات اليابانية أمام بصر وسمع العالم من أجل محاولة السيطرة على الوضع المتفاقم هناك. والمَشاهد التي يعرضها الإعلام يوميا من اليابان حية على الهواء لها تأثير في توجه وصناعة رأي عام دولي تجاه الكارثة وحلولها. الدول التي تمتلك على أرضها مرافق نووية لتوليد الطاقة الكهربائية ولديها مُخططات لبناء مُنشآت نووية إضافية جديدة، عادت تُراجع حساباتها تحسُّبا لردة فعل غاضبة من قِبل شعوبها والرأي العام العالمي. وحتما ستحدث تغيرات في الاستراتيجيات التي تتعلق بمصادر توليد الطاقة البديلة، ربما تشمل إلغاء بعض من مشاريع الطاقة النووية التي لا تزال في طور الدراسة أو في بداية التنفيذ، خصوصا في الدول التي تتوافر لديها اختيارات أخرى.
ولعل ما حدث للمفاعلات النووية اليابانية، وعلى وجه الخصوص مفاعل محطة فوكشيما دايشي، الذي تتسرب منه الإشعاعات الذرية الخطرة، يُعطينا عبرة ويفتح لنا، نحن أبناء الخليج، مجالا رحبا للتفكير فيما يتناسب مع قدراتنا الفنية والتقنية وخبراتنا في التعامل مع وضع خطير كالذي يُواجه الأمة اليابانية الآن. وإذا كانت اليابان بخبراتها وتقدمها العلمي والتكنولوجي ومهارات أبنائها، تُعاني مشقة هائلة وتحديات جسيمة للسيطرة على مفاعلات المرافق النووية التي توقفت بفعل الزلزال والتوسنامي، فكيف الحال بنا لو أن تلك المنشآت الخطرة كانت على أرضنا؟ ونحن نسمع منْ يقول إن بلادنا ليست مُعرَّضة للزلازل، كما هي الحال في الجزر اليابانية، فلماذا الخوف من حدوث موقف مشابه خطير؟ وهو كلام مقبول، لو افترضنا أن ما يُهدد سلامة المنشآت النووية هي فقط الزلازل، وبلادنا - من فضل الله - بعيدة عن مصادر التحركات الأرضية المدمرة المعروفة. لكن لدينا مخاطر من نوع آخر، وربما بنسبة أكبر من بلد مثل اليابان، وهي العمليات العدوانية من بعض المنظمات الإرهابية التي لا تقل خطورة على المنشآت الحيوية عن الزلازل والعوامل الطبيعية الأخرى. ومن البدهي أننا لا نملك ولا نسبة ضئيلة من الإمكانات التقنية والبشرية اليابانية، ما قد يُحوِّل أي خلل خطير في المرافق النووية لو وُجدت على أرضنا إلى كارثة بيئية وإنسانية لا يعلم مداها إلا الله. وهذا ما يدعونا إلى اتخاذ الحيطة وتعلم الدرس مما حصل للمفاعلات اليابانية، والحوادث المماثلة الأخرى التي سبقتها ونتجنب الدخول في مجال الطاقة الذرية مهما بلغ بنا الإغراء من جانب سماسرة التقنية النووية الذين لا يزالون يتصيدون زبائنهم ويغرونهم بوعود لا تُمثِّل إلا نصف الحقيقة.
ونحن في الواقع لسنا في حاجة إلى توليد الطاقة الكهربائية من مفاعلات نووية في هذه الصحراء المشمسة وبلادنا - ولله الحمد - تحتل أفضل موقع جغرافي لتوافر الطاقة الشمسية. وليس من المنطق أن نسعى وراء مرافق توليد الطاقة النووية التي أولها إجراءات تنظيمية مضنية وتكلفة عالية وانتظار طويل لبدء تشغيلها وآخرها محاولة يائسة للتخلص مما لا يمكن التخلص منه من المخلفات المشبعة بالإشعاعات القاتلة. وليس لدينا أدنى شك في أن إدارة وتشغيل وصيانة أي منشآت نووية في بلادنا ستكون بأيد أجنبية خلال عقود من الزمن. بينما نستطيع، بعد فترة وجيزة من الخبرة، بناء منشآت الطاقة الشمسية بأيدينا من موادٍ من صنعنا، ويديرها ويعمل فيها شبابنا. وقد أوضحنا في أكثر من مقال أن تكلفة إنشاء مرافق الطاقة الشمسية في المملكة أصبحت الآن تُنافس أي مصدر آخر متوافر لدينا لتوليد الطاقة، بما في ذلك المشتقات النفطية، بشرط أن تكون المقارنة بأسعار النفط العالمية وليس القيمة المحلية المُخفَّضة. ولا نعتقد أنه يختلف اثنان على أن الطاقة المتولدة من الأشعة الشمسية هي طاقة المستقبل دون أي مبالغة، وسيتضح ذلك جلياّ خلال السنوات القليلة المقبلة.
ونحن نعلم أن هناك الكثيرين، في هذه البلاد وغيرها، ممن يعتقدون بضرورة اللجوء إلى الطاقة النووية لتعويض النقص المحتمل في توليد الطاقة الكهربائية خلال العقود المقبلة. ولا بُدَّ من أن نحترم آراءهم وتوجهاتهم. لكننا أيضا نأمل منهم، وفي ضوء ما هو حاصل اليوم في اليابان، أن يزِنوا الأمور بميزان العقل والمنطق السليم ويقارنوا بين مستقبل المرافق الذرية ومرافق الطاقة الشمسية من حيث البساطة في الإنشاء والتشغيل والسلامة. ويجب ألا يغيب عن البال، في هذه المرحلة من دراسة الجدوى الاقتصادية لهذين المصدرين، أن نقارن أيضا بين تشغيل مرافق توليد الطاقة النووية وصيانتها بواسطة شركات أجنبية ومرافق الطاقة الشمسية التي ستُوفر عشرات الألوف من الوظائف التي من الممكن أن تستوعب شبابنا، وهو أمر له أهمية كبيرة اقتصاديا واجتماعيا. وبدلا من الانتظار ما يقارب ست إلى ثماني سنوات قبل أن يبدأ تشغيل محطة نووية واحدة، نكون قد أنجزنا عدة محطات شمسية. ولا مجال للمقارنة على الإطلاق بين سلامة المنشآت النووية والشمسية، كما شاهدنا خلال المحنة اليابانية. ونود أن نختم هذا الحديث بالسؤال الآتي: هل ما هو حاصل اليوم في المفاعلات اليابانية من تهديد خطير لحياة الإنسان وللبيئة بوجه عام وتوقف مصدر مهم من مصادر توليد الطاقة، هو أسوأ ما يمكن أن نتوقعه من حوادث المرافق النووية؟ الجواب بطبيعة الحال بالنفي. فلا يمكن أن نغفل الحقيقة المتمثلة في أن محطات التوليد النووية هي قنابل ذرية إذا انفلت زمامها، فلنحذر منها ما دمنا نملك البديل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي