المياه التي يتناولها الناس غير صالحة للشرب
كشف رئيس جمعية حماية المستهلك، أن 99 في المائة من المياه التي يشربها الناس في السعودية غير صالحة للشرب بسبب ما أسماه بالبرومات العالية ونسبة الصوديوم والأوزون، مهددا بإغلاق المصانع المخالفة وحظرها. وأضاف رئيس جمعية حماية المستهلك: ''إذا ثبت مخالفة المصانع فسوف نقوم بإغلاقها وحظر نشاطها، وستقوم هيئة الغذاء والدواء بالتشهير بها، وستكون النتيجة مقاطعة صامتة من قبل المواطنين'' انظر التعبير ''مقاطعة صامتة''. لماذا مقاطعة صامتة؟ هل جزاء من يبيع للناس الأمراض والسموم أن يقاطع مقاطعة صامتة؟ هذه أعمال فظيعة لا تحتاج إلى مقاطعة، بل إلى تطبيق أقسى العقوبات عليهم بكل الوسائل والطرق الشرعية والنظامية.
ولكن ليس هذا بيت القصيد. فنحن لا يهمنا الإجراءات التي سيتخذها رئيس جمعية حماية المستهلك ولا تهديداته التي يلوّح بها، ولا أظنه يستطع عمل أي شيء، لأسباب عدة، أولها أن هذه الجمعية تمثل المستهلكين وليست مؤسسة رقابية رسمية، كما أن المستهلك يشك في آلية عمل الجمعية بعد هذا التصريح المتأخر جدا.
الذي يهمنا هنا هو الخبر ذاته. كيف يسمح لهذه المصانع أن تعيث وتسمم أجساد الناس وصحتهم؟ وهنا تظهر لدينا تساؤلات عدة، من أهمها: هل بالفعل هذه الإحصائية صحيحة؟ وإن كانت كذلك فكيف يمر الموضوع مرور الكرام؟ ولماذا هذا الصمت المطبق من قبل المسؤولين والجهات الرقابية والمواطنين على ذلك؟ أين مصانع المياه المعدنية من هذا التصريح؟ بمعنى لم نسمع حتى الآن أي تعقيب من مصانع المياه المعدنية على هذا الخبر حتى حينه؟ فهل يعنى هذا أن السكوت دليل على صحة الخبر؟ أين الجهات الرقابية الأخرى كوزارة التجارة والمواصفات والمقاييس ونحوهما من تصريح رئيس جمعية حماية المستهلك؟
إنه بالفعل سؤال يحتاج إلى إجابة مقنعة: ما مصادر المياه المعدنية التي نشربها وما طريقة عملها؟ وكيف يتم معالجتها؟ وما سر توافرها في كل مكان حتى في المناطق البعيدة عن السكان وبأسعار زهيدة جدا، رغم أن تضاريس بلادنا يغلب عليها الطابع الصحراوي وتتميز بقلة هطول الأمطار، خصوصا في السنوات الأخيرة وليس لدينا مخزون كاف من المياه الجوفية يمكن أن يفي باحتياجات ملايين من المواطنين والمقيمين، ناهيك عن المتخلفين الذي لا يعلم عددهم إلا الله. إن موضوع كهذا لا يمكن إغفاله؛ فعلينا أن نعرف بالضبط من أين تأتي المياه المعدنية؟ وما السبب في توافرها بهذه الكثرة في بلد يشكو من شح المياه؟
لو ثبت بالفعل أن 99 في المائة من المياه المعدنية في بلادنا غير صالحة للشرب فهل يكفي تهديد رئيس جمعية حماية المستهلك؟ هل يكفي إغلاق تلك المصانع؟ هل يكفي المقاطعة الصامتة التي ابتكرها رئيس جمعية حماية المستهلك؟ ما مصير من أصيب بفشل كلوي أو أي من الأمراض الخطيرة الأخرى نتيجة تناولهم مياه شرب ملوثة تعمل في بلادنا بتراخيص رسمية؟
في البداية، يجب التثبت من صحة هذه البيانات والإحصائيات التي تنشرها الصحف، فإن ثبت ذلك فيجب أن يكون هناك انتفاضة من قبل مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي أمر بتشكيلها خادم الحرمين الشريفين، وأن يعاقب أصحاب تلك المصانع كما يجب محاسبة الجهات الرقابية التي تكتفي بمنح الترخيص ثم تغيب في سبات عميق.
وهذا يقودنا إلى تفعيل الرقابة على المنتجات الأخرى التي تعتمد على المياه مثل طريقة زراعة النباتات المورقة والخضراوات ومصانع المواد الغذائية والمشروبات ومن في حكمها، فيبدو أن الجهات الرقابية لا تؤدي دورها كما يجب، إما لنقص أدوات الرقابة من أفراد وأجهزة، وإما لعدم الجدية في مهمة الرقابة، وإما لكثرة عدد المصانع التي تمنح تراخيص، وإما لوجود سوق سوداء يصعب على الجهات الرقابية الوصول إليها وتمارس عملها دون مطابقة مخرجاتها لمعايير المواصفات والمقاييس السعودية.
يجب أن يؤخذ الأمر بجدية؛ حتى نحافظ على صحة الناس ونحمي سمعة المصانع السعودية، فخبر كهذا سيشكك في مصداقية المصانع السعودية، خصوصا تلك التي تمس صحة الإنسان كالمياه والمواد الغذائية ومتطلبات السلامة كإطارات السيارات ونحوها. يجب أن نحمي مصانعنا؛ حتى لا يأتي اليوم الذي يحارب فيه الناس كل ما يصنع في السعودية. وقد بدأنا بالفعل نلاحظ أن بعض المواطنين والمقيمين يتحاشون شراء منتجات المصانع السعودية، خصوصا تلك التي تعتمد على المياه بشكل مباشر كمصانع المياه المعدنية والمياه الغازية ويستبدلونها بالمنتجات المستوردة؛ اعتقادا منهم أن هذه المنتجات أتت من دول لديها أنهار عذبة وتطبق معايير رقابية صارمة على منتجاتها، كما أن عملية معالجة المياه تتم بطريقة علمية وفقا لمعايير مختبرات عالمية دقيقة.
نتمنى أن يؤخذ هذا الأمر بشيء من الجدية وأن تكون أول مهام الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد هي التأكد من صلاحية مياه الشرب التي تباع للناس، فلا أظن هناك أهم من صحة المواطن لدى خادم الحرمين الشريفين.