استثمار الدعم في تطوير الصحة الإلكترونية

لقد تم التأكد علميا وفي عدة دول من أن العقبات وراء تطبيق ملف طبي إلكتروني هي: القدرة المالية والسياسة المتبعة في الصرف، ثم النظام الذي تدار به المؤسسة الطبية فنيا وإداريا. هذا بالطبع جعل نوعية ومستويات الموارد البشرية ومشكلة تطوير البرامج والتطبيقات شؤون ثانوية لا تذكر، لأن الأساس ألا يلتحق بهذا الجهاز إلا الذين تأهلوا للقيام بهذه المهام أو تمرسوا عمليا على ذلك. من ناحية أخرى، لا يكون تطوير البرامج والنماذج إلا بناء على أساس التوافق مع المعايير الدولية أو المحلية وما عدا ذلك كالتقديم أو التأخير أو العرض فلا يجعل المضمون مختلفا جذريا. إذا كان هذا الواقع عالميا فهل تتطابق هذه النتائج مع وضع تنفيذ هذا المشروع الكبير لدينا؟ من المؤكد أن هناك ضبابية في تحديد ماهية المشكلة أو حجمها، فلا يمكن اعتبار الإمكانات المالية مشكلة كبيرة، ولا النظام الصحي مشكلة أخرى في ظل وجود مظلة مجلس الخدمات الصحية. الأدلة هي: إن الدعم الذي يحظى به القطاع الصحي منقطع النظير ولا يمكن أن ندخل في مناظرة كم صُرِف وكم أُنفق، فالشواهد على دعم الدولة أعزها الله كثيرة وهي ــ ولله الحمد ــ في تنام، فما تم نشره في هذه الصحيفة النشطة (الاقتصادية) بتاريخ 4/4/32هـ الموافق 9/3/11م في عرض لما قد صرف خلال السنوات الأربع الماضية (204 مليارات ريال)، وما تضمنته الخطة التنموية التاسعة للمملكة عن الشأن الصحي والمتوقع تحقيقه في عام 1435هـ، والدعم السخي الذي وجه به خادم الحرمين ـ يحفظه الله ـ في تطوير الرعاية الصحية في المملكة بمقدار 16 مليار ريال وتعزيز دور القطاع الخاص في المشاريع الصحية بدعمها بـ (200 مليون ريال) بدلا من (50 مليون ريال) سابقا عن كل مشروع. كل هذه ما هي إلا أدلة واضحة على الاهتمام الكبير من لدن القيادة الحكيمة بالشأن الصحي. أما من ناحية التنظيم فمسئولية أكبر جهاز خدمي صحي مع الهيئة السعودية للتخصصات الصحية ومجلس إدارة مجلس الخدمات الصحية كلها تنطوي تحت إدارة واحدة تقريبا وتوزيع هذه العطايا بشكل متوازن سيوفر الكثير من الوقت إذا ما وجهت حيث التطوير والجودة. لذلك فالحاجة الآن إلى اتخاذ الطريق الأنسب لتعميم الملف الطبي الإلكتروني إحدى نتائج التقدم في مشروع (الحكومة الإلكترونية) المهم. وبما أن تكاليفه تتزايد سنويا بل شهريا تبعا لتطور هذا المجال فلا بد أن يرى النور في أقرب فرصة وبكل المزايا. لأن المنظومة الصحية ستعتمد على استخدامه بشكل عام وبمعيارية تحسن تقديم الخدمة في كل جهاز بالقطاع وتنقل برامج التأمين الصحي لأفضل مراتبها خدميا.
منذ عام 2002م وخطتنا لتقنية المعلومات تسير بهدف الوصول للحكومة الإلكترونية. إلا أن مسار إنجازاتها بالأرقام غير معروف. فهل يرصد مجلس الشورى أو هيئة أخرى تقدم العمل فيه وتتم مقارنته بالتوقعات والواقع؟ كيف نفسر تقدم جهة ـ تقنياً ـ عن أخرى في قطاع خدمي واحد دون أن نتحرك لنقارب بين الأباعد ونلملم الشتات؟ هل مازلنا نضع خطة عمل وعند الشروع في التنفيذ نكون في زمن سبق تنفيذها وجعل محتواها من الماضي؟ هل هناك بصيص أمل بأننا سنحقق أهداف هذه الخطة بما يعادل 50 في المائة في عام 2012م أي بعد عشر سنوات منذ البداية؟ وهل هذا ما كان مؤملا أم أقل من ذلك أم أكثر ، خصوصا أن المليارات أصبحت في متناول الأيدي والمؤهلون موجودون والشركات من المفترض أنها مصنفة وجاهزة.
في الشأن الصحي إذا ما تعمقنا في طريقة الأداء المرحلي نجد أن: (1) هناك عدم جرأة في اتخاذ خطوة للتقرب من الآخرين للتعلم منهم وفي هذا إصرار على عدم التعلم من أخطاء الآخرين وتبادل الأفكار لنشر سياسة تبادل الفكر المتميز. (2) هناك اعتماد كامل على ما يعرض من تقارير دون التعمق فيها وإيجاد الحلول حسب الأولوية وإذعان التفعيل للأساس العلمي المنهجي. (3) هناك تعثر أو تماطل في تنفيذ مرحلة أو حتى المشروع بالكامل من دون تمثيل بياني لمستوى الإنجاز وهذا يعني إما أن تكون البداية غير مكتملة الدراسة ومحسوبة التحركات أو أن المقاول وجد الثغرة ولعب على الوتر الحساس فتاهت البداية والنهاية. (4) هناك تفرد بتركيب أنظمة واستخدام تقنيات حسب كل جهاز بل كل مرفق في كل جهاز، وهذا خطأ فادح ومركب والكثير من المتخصصين يعون ذلك ولا أدري لماذا الإصرار على المضي فيه من دون الاحتكام لمعايير دولية أو الاتفاق على وضع محلية. أما ما يجعل النهاية معلقة فهي (5) أن تكون الترتيبات والتنفيذ يسيران حسب المخطط، وتواجد العاملين والمشرفين والمراقبين في الموقع سليم جداً ''ورقياً''، إلا أن فريق التقييم بعد بداية التشغيل يجد أن هناك محطة لا بد من الوقوف عندها وهناك حزمة ليس من المفترض وجودها ...إلخ. وهنا غاب عنا أن نسأل ونسير بين هذين الخطين المتلازمين: ما المشكلة، ومن المسؤول؟ للتصرف بحزم بنهاية كل مرحلة. وللحديث بقية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي