رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


سعودة القطاع الخاص.. كيفية زيادة مميزاته بخطوات عملية

أولا علينا أن نرغّب الشباب في العمل في القطاع الخاص من جهة، ومن جهة أخرى إزالة العوائق المانعة لسعودة القطاع الخاص. ولعلي في مقال سابق تحدث عن أهمية تأسيس أرضية لمساعدة السعوديين على العمل في القطاع الخاص. فبعض أعضاء مجلس الشورى تعامل مع عدم وجود أرضية صلبة لتوظيف السعوديين في القطاع الخاص بالاستنجاد بالشركات الحكومية كـ ''أرامكو'' و''سابك'' لزيادة أعداد موظيفها من السعوديين، لكني لا أعتقد أن هذا الحل عملي على المستوى الطويل. فشركتا أرامكو وسابك وغيرهما لا يمكنها استيعاب الأعداد الكبيرة القادمة للعمل في القطاع الخاص. لكن علينا الاستفادة من تجربة هاتين الشركتين في كيفية استقطاب الكفاءات الوطنية المميزة للعمل لديها. فالشركتان تقدمان مميزات وظيفية ترغّب كل سعودي في العمل لديها؛ لذا ففي هذا المقال سأتحدث عن كيفية ترغيب الشباب في العمل في القطاع الخاص عبر توفير مميزات وظيفية لا ترتبط بحجم ومميزات الشركات التي يعمل فيها السعوديون.
إن ترغيب الشباب في العمل في القطاع الخاص لا يتم فقط بإزالة العوائق المانعة من العمل، بل لا بد أن يشعر العامل في القطاع الخاص بأن العمل فيه أفضل من العمل في القطاع الحكومي. كما أن تبني مثل هذه الاستراتيجية تمكّن حكومة خادم الحرمين الشريفين من الوصول إلى العاملين في القطاع الخاص وتقديم الدعم اللازم لهم في ظل غياب آلية تساعد على ذلك. فمثلا تثبيت نسبة غلاء المعيشة وغيرها من المميزات التي ينعم بها العاملون في القطاع الحكومي ظل العاملون في القطاع الخاص يعانون تبعاتها. الصحف توافيني بتقارير متعددة حول تعرض العاملين في القطاع الخاص لضرر مزدوج، فلم يصرف لهم ''بدل غلاء معيشة'' ويواجهون ''زيادة الأسعار'' مثل غيرهم، خصوصا في ظل تفاقم أزمة الإسكان. كما أنهم غالبا ما يستخدمون كرهائن حين تعرض الشركات التي يعملون فيها للمساءلة (كتب مقال سابق بعنوان موظفو القطاع الخاص.. ضربتان في الرأس توجع مع بداية 2009)؛ لذا فإذا كنا صادقين في سعودة القطاع الخاص فعلينا الاستثمار من أجل تحقيق هذه الغاية التي ظلت لفترات الاستراتيجية الأولى للدولة في خططها الخمسية دون أن تتحقق على أرض الواقع، بل العكس، فنسبة السعوديين العاملين في القطاع الخاص قلت من 13 في المائة عام 2008 إلى أقل من 10 في المائة عام 2009 حسب إحصائيات وزارة العمل. ولعلي في هذا المقال أركز على كيفية ترغيب السعوديين في العمل في القطاع الخاص، ومن ثم كيفية إيصال الدعم الحكومي لهم؛ لأن التاجر - كما أسلفت في أكثر من مقال - كان ولا يزال المستفيد من الأول من كل خطط السعودة السابقة.
فعلينا ابتداء الإقرار بأن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية هي الحاضنة لكل العاملين في القطاع الخاص؛ لذا فإن السعودة يجب أن تنطلق عبر زيادة مميزات التأمينات الاجتماعية لكل العاملين في القطاع الخاص. هذه الزيادة تتم على شكل بدلات، ولنسمّها بدل سعودة (صندوق يوضع لهذا الغرض) تقدمها وزارة المالية للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. هذه المعونات تمكّن مؤسسة التأمينات الاجتماعية من زيادة مميزات العاملين في القطاع الخاص بحيث تكون مميزات التأمينات الاجتماعية أفضل من مميزات المؤسسة العامة للتقاعد، سواء على المدى القصير أو الطويل.
فعلى المدى القصير يجب أن تتولى وزارة المالية تقليل تكلفة السعودي على رب العمل عبر صندوق (يمكن أن يسمَّى صندوق السعودة) ينشأ لهذا الغرض، بحيث يكون هذا الصندوق بديلا لصندوق الموارد البشرية الذي لم يحقق نجاحا يوازي حجم ميزانيته الضخمة. فكما هو معلوم أن صندوق الموارد البشرية استفاد منه التاجر أكثر من طالبي العمل في القطاع الخاص. فأعضاء مجلس الشورى في أكثر من مناسبة عبّروا عن عدم رضاهم بمخرجات صندوق الموارد البشرية، خصوصا في دعم سعودة القطاع الخاص، بل أصبح الصندوق إحدى قنوات التلاعب من قبل بعض الشركات، كما توافيني بذلك وسائل الإعلام المحتلفة.
لدينا حقيقة تقول: ''إن أكثر من 88 في المائة من أعداد الشركات في القطاع الخاص صغيرة الحجم، وعدد العاملين فيها أقل من 20 عاملا، ما يفقدها القدرة على تقديم مميزات وظيفية للعاملين فيها؛ لذا تبرز أهمية تأسيس صندوق يكون له الدور في تقديم مميزات وظيفية للعاملين في المؤسسات الصغيرة. وما يساعد على تبني هذه الاستراتيجية أن أعداد السعوديين العاملين في القطاع الخاص محدود جدا فلا يتجاوزن المليون ونصف المليون، حسب إحصائيات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لنهاية عام 1430 هـ؛ لذا فإن تقديم دعم مباشر عبر توفير تسهيلات مالية للسكن وغيرها لن تشكل عبئا ماليا على وزارة المالية؛ لأن هذا الدعم محدود، خصوصا إذا تم النظر إلى إمكانية استرداده بعد سنوات من الخدمة تمتد لعشرين سنة مثلا.
كما يمكن للصندوق أن يقدم حوافر أخرى للعاملين في القطاع الخاص من أجل ضمان بقائهم في العمل في القطاع الخاص لفترة تزيد على 20 سنة. فمثلا يمكن تقديم سلفة مالية للذين تجاوزت خدمتهم عشرين سنة. فالمعلوم أن أغلبية العاملين في القطاع الخاص يتحولون للعمل في القطاع الحكومي حين توفر أقرب وأقل فرصة بغض النظر عن الراتب، كما بيّنت العديد من الاستبيانات هذه الحقيقة؛ لذا تبرز أهمية هذه السلفة المالية في تحفيز العاملين في القطاع الخاص للاستمرار في العمل فيه. كما أن هذه السلفة تمكّن العاملين في القطاع الخاص من أن يبدأوا أعمالهم الخاصة، خصوصا بعد أن اكتسبوا خبرة 20 سنة، ما يعزز نجاح مشروعاتهم المستقبلية. هذه السلفة غير مرتبطة بسلفة بنك التسليف ما يمكن العامل من الحصول على قرضين يساعدانه على البدء بنشاط تجاري ليس كمبتدئ لكن كخبير.
ويمكن لوزارة المالية زيادة ميزانية هذا الصندوق بزيادة أسعار فِيز استقدام العمالة غير المنزلية وزيادة رخص الإقامة بحيث يصرف مردودها المالي في دعم صندوق السعودة. قد يكون لهذه الاستراتيجية تأثير سلبي في قيمة الخدمات المقدمة لكنها في النهاية ستصب في مصلحة أكبر وتسرع خطط السعودة، لكن يكمننا التعامل مع زيادة أسعار الخدمات في حال وقوعها عبر جمعية سأتناول تفاصيلها في الحلقة القادمة.
أما على المدى الطويل، فيجب أن تقلل فترة التقاعد المبكر إلى 20 سنة من أجل أن يشعر طالب العمل بأن عليه العمل بجد ولفترة 20 سنة فقط، وقتها يمكنه تحقيق الأمان الوظيفي في حال - لا سمح الله - تعرَّض لفصل تعسفي أو تعرَّضت الشركة التي يعمل فيها للإفلاس، خصوصا أن طبيعة الالتزامات الأسرية والمادية في هذا العمر كبيرة. المشكلة أن السعودي العامل في القطاع الخاص حين تعرضه لفصل تعسفي أو تعرض الشركة التي يعمل فيها لهزه مالية لا توجد جهة تؤمّن له مصدر دخل كما هو المعمول به في معظم الدول الغربية. فالخدمات الاجتماعية لدينا مقصورة على الفقراء وأصحاب الاحتياجات الخاصة، كما أن معدل عدد أفراد الأسرة لدينا كبيرة وأغلبيتها عائلات ممتدة وتشمل الأب والأم والأخوات وغيرهم. بينما حجم الأسرة في المجتمعات الغربية محدود جدا؛ ما يجعل مشكلة الفصل التعسفي أو بسبب الإفلاس تنعكس بشكل أكبر على مجتمعنا مقارنة بالمجتمعات الأخرى (حجم الأسرة لدينا من خمسة إلى ستة أفراد غير الأسر الممتدة، بينما أفراد الأسرة في المجتمعات الغربية من ثلاثة إلى أربعة أفراد حسب إحصائيات). فلا يوجد صندوق حكومي يدعم من يفصل من عمله بحيث يساعده على الوفاء بالتزاماته الأسرية والاجتماعية،؛ لذا فإن واقع العمل في القطاع الخاص لدينا مخيف جدا في ظل عدم وجود ضمان اجتماعي يوازي عدد أفراد أسرة الشخص الذي فقد وظيفته.
لذا، لا بد من زيادة اعتمادات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بحيث تقل سنوات عمل القطاع الخاص قبل أن يحال الموظف للتقاعد. فلو علم السعودي طالب العمل أن سنوات التقاعد تحصل له بعد 20 سنة يتمكن من خلالها من التقاعد المبكر كما يمكنه العمل 20 سنة من الحصول على قرض يستطيع به فتح عمله الخاص. كما أن العمل في القطاع الخاص سيضمن له مميزات وظيفية تساعده على الحصول على منزل العمر، فلا شك أن السعوديين سيتسابقون على العمل في القطاع الخاص، خصوصا عند ضمان ودعم الأنظمة الأخرى المرادفة كسياسيات الحد الأدنى للأجور وساعات العمل ووجود جمعية ترعى حقوقهم. ولعل تفاصيل هذه الأنظمة سأتناولها في المقال اللاحق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي