زلزال اليابان .. مآسٍ وطوارئ

بعيدا عن معلومات الزلزال الذي ضرب اليابان يوم الجمعة الماضي, الذي شغل العالم بأسره, وجعل الصغير قبل الكبير يتابع ما يحصل, بين مشاهدة القنوات الفضائية وتصفح مواقع الإنترنت. كانت هناك زاوية تجعل كل متابع يقف عند ردة فعل هذا الشعب وحكومته، وكيف تمكنوا خلال الساعات الأولى، مرورا بالأيام التالية من تجاوز معظم المفاجآت، إلا ما زاد حجمها على المتوقع بنسب عالية جدا. لقد كانت قوة الزلزال 8.9 بمقياس ريختر, وهو السابع في قوته ودماره ككارثة عالمية, إلا أن إدارة الوقت الذي مر بعد الهزة الكبيرة والهزات المتتالية الأصغر، كانت تؤكد أن هذه الأمة هي أهل المعرفة وقادة الطوارئ والأزمات, والشعب الذي لا يقهر إلا بقوة الله، مثل ما حدث يوم الجمعة أن أوحى الله للأرض أن تتزلزل ففككت كل ما كانت تجمعه اليابان في تلك المناطق لعقود مضت.
كان الشعار عندما بدأ الإنذار المبكر تقليص حجم الخسائر إلى أقل ما يمكن, وأن يكون السعي لسلامة الإنسان في كل وقت. لقد روى من كان في المنطقة المنكوبة كيف بدأوا يقسمون أنفسهم إلى فرق يساندون الفرق المتعددة والمتخصصة والقيام بالأدوار في كل موقع من دون فزع أو قلق أو ارتباك. فمنهم من راح يضمن خروج الناس من المباني الكبيرة, وبالذات كبار السن, بسرعة كبيرة، ومنهم من بدأ مع الفريق المختص بمراقبة الهواء المحيط بمنطقة الانفجار وقياس نسبة المواد المشعة وأي عناصر سامة في الجو لتحليل البيانات والإسهام في طرح الحلول. الأطباء والكيماويون اصطفوا في مناطق التجمع والإخلاء لقياس مدى السمية في الهواء والماء، ويفحصون الناجين بعد الهزة لمعرفة وجود أو خلوهم من أي مواد مشعة وتحويلهم للمرافق التي تعنى بذلك. فرق الإنقاذ المدنية بكل فئاتها وأنواعها توزعت للتوعية والإنقاذ وتقدير الخسائر، مع أن هناك أراضي مطمورة بالطين أو مغمورة بالماء بالكامل، والكهرباء والماء مقطوعان عن الملايين من البشر, لكن الفرد الياباني ظل متماسكا ومتمسكا بالقيام بما يمكنه إلى آخر قطرة من دمه.
لقد تعطلت الاتصالات في المنطقة المنكوبة, لكن الذي حصل أن تبدأ المناطق غير المتأثرة بتخصيص الهواتف الأرضية والجوالات المعتمدة على الاتصال الفضائي والموجات المختلفة للبدء بالتواصل بمن لديه أي وسيلة اتصال في المراكز المقامة للإسعاف والطوارئ لطمأنة الناس بعضهم بعضا عن أحوالهم وما يجب أن يتم فيما بعد. هذا بالطبع وفر الإعانات الطبية والصحية التي وصلت لتخفيف الألم والمصاب، فبدأ الاهتمام بالكبار والأطفال والنساء وتقديمهم كأولوية في الفحوص بشكل عام, فتم التأكد من سلامة الكثير وتم توجيههم إلى الأمكنة المقرر لهم التجمع فيها. جميع المباني كانت عبارة عن كتب مفتوحة, فالمساحة والتصميم وقدرة تحملها أصبحت معروفة للكثير عندما وجه رؤساء فرق الإنقاذ من يذهب إلى أين دون النظر إلى الخلف أو محاولة فهم أي وضع، فسلم الناس من الدهس والتسبب في الزحام والفوضى، ومرت الساعات خلال اليومين التاليين وقد عرف كل أناس مأمنهم. من ناحية أخرى أحد المفاعلات كان ينفجر والقريبون ووسائل الإعلام كانوا يراقبون، لكن بعد أقل من 30 دقيقة كان القرار أنه إذا كانت هناك خطورة بتسريب الإشعاع فإغراق المفاعل بالماء أولى من أن نراقب مأساة تاريخية. هذا لأنهم يعون أن فقدانه أو غيره أفضل من فقدان البشر أو التأثير في مناخ الكرة الأرضية والعالم في أي وقت أو مكان.
في خضم كل هذه الأحداث وما يمكن أن يتوقعه المواطن الياباني من تكرار حدوث الزلازل في مواقع أخرى وما يمكن أن يكلف إعادة بناء هذا الدمار، يقوم الناس في المقاطعات الأخرى من اليابان عند الانتهاء من شراء احتياجاتهم بترك الباقي من النقود المعدنية في المحال التجارية أو حتى وضع مبالغ قدر استطاعتهم للمساهمة في مساعدة المنكوبين وأهاليهم وإصلاح وإعمار ما تدمر وعدم إطالة البؤس والحزن على الجميع، لأنهم يعون كيف أن ذلك قاس على اقتصادهم كشعب اشتهر بلده بهذا النوع من الكوارث. هم يفكرون الآن في الهزات الصغيرة المتتالية حيث تصعب عليهم إعادة الوضع إلى ما كان عليه في أسرع وقت ممكن, وبالتالي لديهم الخطط البديلة لمواجهة أصعب المراحل, ولن يهدأوا قبل أن يعود وطنهم إلى سابق عهده أو أفضل وقد عزموا على مواصلة العمل ليل نهار.
في الولايات المتحدة بدأ الاستعداد بحوار المسؤولين عن مدى استعداد الشعب لمثل هذا الحدث الكبير. لقد جاءت ردود الأفعال بأن يتبعوا سلوك الشعب الياباني ويبدأوا بالفعل في التخطيط للمرحلة القادمة وتقسيمها إلى ثلاث مراحل زمنية تبدأ بالزمن الحالي وما يجب أن يكونوا عليه من استعداد في توعية الجميع بكيفية التصرف عند حدوث أمر جلل كهذا, ثم كيف يتصرف الصغير في المدرسة والكهل في منزله إذا ما واجه دمارا بشكل مفاجئ وأين يمكن أن يتوجه. ثم المرحلة الثانية لخمس سنوات قادمة وثالثة لعشر سنوات قادمة؛ حيث التأسيس لنشر المعرفة وتخصيص فرق علمية متعددة في مجالات علمية عديدة لتفسير وتحليل التغيرات وتحديث المعايير الهندسية والمعمارية والعمل على توفير حماية أكبر للإنسان بخطط بديلة متعددة حتى لا يؤثر في ذلك انقطاع الكهرباء أو الاتصالات أو غمر المياه أو ما شابه.
العبر كثيرة والدروس متنوعة فماذا يمكن أن نستعد به إذا ما قدر الله علينا بكارثة لا نعرف حجمها ــــ لا سمح الله؟ فعلا ما أحوجنا إلى أن نتماسك الآن وفي كل وقت فنكون أبقى لبعضنا, ثم لا بد من التقوى. نسأل الله السلامة والنجاة من كل شر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي