بين مطالبات الإصلاح والإفساد شعرة

أصبح العالم العربي من حولنا يعج بدعوات الثوار ومطالبات الإصلاح. لكن الملاحظ أن المتكسبين في هذه الفترة كثروا والمتدخلين من الخارج أو الناصحين, كما يسمون أنفسهم, بدأوا يخرجون من مدافنهم التي أدخلهم إليها التاريخ ونسوا فيها. وهنا نستشعر قول المصطفى ـــ صلى الله عليه وسلم ــ ''يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها''، فمتى كنا بهذه السهولة حتى نسمح لكل متطاول أن يدخل في شؤوننا الخاصة أو أن يرشدنا إلى أمور دنيانا.
قامت هذه البلاد ومنذ النشأة الأولى على كتاب الله وسنة نبيه، وهما دستور هذه البلاد ولم ولن تحيد عنهما. وجميعنا نستذكر الكلمة التي بدأ بها خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ عند توليه الملك فقال ''أتوجه إليكم طالبا أن تشدوا أزري وأن تعينوني على حمل الأمانة وألا تبخلوا علي بالنصح والدعاء''. نعم هذه رؤية خادم الحرمين الشريفين لبلده وأبنائه، هو مكمل لهم وهم أعوانه.
لقد حققت المملكة منذ تولي خادم الحرمين الشريفين العديد من المكاسب على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فلا أحد ينكر ما وصلت إليه المملكة في الناحية الاقتصادية والاعتراف العالمي بها من ضمن أكبر الاقتصادات المؤثرة في العالم، أيضا فقد قفزت فرص التعليم العالي المحلي والدولي إلى أرقام عالية. أما في المجال الإعلامي فقد ارتفعت مستويات الحرية إلى مستويات عالية أتاحت للجميع فرصة إبراز الرأي ومناقشته من خلال الإعلام أو برامج الحوار المتنوعة.
المراقب لصحافتنا المحلية في السنوات القليلة الماضية يكتشف بما لا يدع مجالا للشك، أن سقف الحرية مرتفع، وان المطالبات الإصلاحية تٌطرق من كتابنا وصحافتنا يوميا، وهذا دليل على أننا نعيش في بيئة تتقبل الرأي الآخر، وتسعى لإنشاء قنوات الحوار المناسبة بهدف الإصلاح والوصول بالبلد وساكنيه إلى مراتب متقدمة. ومن هذا نرى أن بلادنا ليست في حاجة إلى وصاية من أي شخص أو توجيه لما يجب أن يكون عليه الحال، فالأبواب مشرعة لكل صاحب رأي، والمجتمع هو من يحكم على هذه الآراء ويرفضها, لأننا نعيش في مجتمع ناضج من هذه الناحية.
حماسة الشباب قد تتأثر بما يحدث من حولنا، ولهذا فالشباب في حاجة إلى من يجالسهم ويناقشهم ويأخذ برأيهم. كما أن دخول وسائل التقنية أو موارد الإعلام الجديد سيسهم في توسيع دائرة الحوار الوطني، وضمان وجود الرأي الرشيد فيها سيساعد على خلق التوازنات والمحافظة على الشباب من أصحاب الفكر المنحرف الذين يحاولون الاصطياد في الماء العكر.
مسؤوليات الإصلاح لا تقع على عاتق الدولة وحدها، بل الجميع يشترك فيها، فالمسؤول يتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية الإصلاح ويجب أن يقوم بالدور الذي أوكل إليه، وأن يساءل عن أي إخفاق أو إهمال يتسبب فيه، أيضا الموطن مسؤول ويجب أن يتحمل مسؤولياته في كشف الإخفاقات والرفع بها إلى الجهات العليا حتى نضمن نزاهة العمل وخلوه من المصالح والتكسبات. يجب أن نتخلى عن ثقافة اللامسؤولية ونتشارك جميعا في المحافظة على بلادنا، التي وكل لها الله ــ سبحانه ــ أمانة رعاية الحرمين والسهر عليها، وأن نفخر بذلك ونبذل له الغالي والرخيص، حتى نقطع الطريق على أي متسلق يحاول الارتقاء على وطنيتنا أو مكتسباتنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي