الأجهزة والهيئات المنظمة ومعالجة البطالة
مشكلة البطالة في بلادنا رغم كونها بطالة هيكلية ورغم الوفرة الاقتصادية التي تعيشها بلادنا، بقت عصية على الحلول, لأن معظمها ـــ من وجهة نظري ـــ كانت حلولا تستند إلى الحسم القائم على معلومات قليلة وانطباعات وأفكار شخصية أكثر من استنادها إلى التخطيط المنهجي القائم على دراسات عميقة تأخذ كل المتغيرات كبيرة كانت أو صغيرة في الاعتبار.
إذا استثنينا سعودة الحراسات المدنية، فإن معظم قرارات السعودة الحاسمة التي لم تأخذ حقها من الدراسات العميقة لم يكتب لها النجاح مثل سعودة التاكسي، وسعودة محال الذهب، وسعودة محال بيع الخضار, ذلك أنها كانت قرارات حاسمة استندت إلى معلومات بسيطة توضح عدد الوظائف المتاحة ومتوسط عوائد الوظيفة ولم تأخذ أي أبعاد أخرى, خصوصا الأبعاد الثقافية والاجتماعية وساعات العمل ومهارات العمل ووجهة نظر العملاء, إلى غير ذلك من المؤثرات.
يفترض أن تكون وزارة العمل جهازا تنفيذيا لخطط الدولة وسياساتها في مجال العمل وتوفير العمالة الوطنية والأجنبية في إطار الخطة الاقتصادية الرئيسية للبلاد، لا أن تكون وزارة تخطيط وتنفيذ معا, لكن هذا هو الواقع, ولذلك كلما جاء وزير جديد ننتظر خطة جديدة لا استكمالا لتنفيذ خطط الدولة في هذا المجال, وهذا ما يجعلنا نربط واقع مشكلات العمل بالوزراء, حيث نسمع الكثير من رجال الأعمال يقولون أيام الوزير النملة كان الوضع كذا وأيام الوزير القصيبي ـــ رحمه الله ـــ كان كذا, وها نحن ننتظر كيف سيكون الوضع أيام الوزير عادل فقيه.
ونحن نعرف أن الوزير عادل فقيه, في إطار ما جرت عليه العادة من مهام تخطيطية وتنفيذية لوزارة العمل, يعكف حاليا على إعداد تصور لحل مشكلة البطالة والشروع في تطبيقها, وكلنا يعلم أيضا أن مشكلة البطالة مرتبطة بمشكلة تزايد العمالة الوافدة وحجم التحويلات المالية الكبيرة وتجارة الإقامات ومشكلات التأشيرات للجادين من المستثمرين ومشكلة المحال الكثيرة المنتشرة في أنحاء الأحياء كافة بشكل مكرر وغير منطقي، ومرتبطة أيضا بمشكلة استقطاب الخبرات, وغير ذلك كثير.
وبالتالي فإننا سنكرر المشكلة الرئيسية السابقة نفسها المتمثلة في وضع مهمة التخطيط لمعالجة مشكلة البطالة في يد جهاز تنفيذي مركزي التفكير, وهو وزارة العمل, التي ستركز على معالجة البطالة بين المواطنين بطريقة تقليدية دون الأخذ في الاعتبار كل المعايير المتداخلة وذات الوزن النوعي المختلف.
وكي أوضح ذلك أذكر ما قاله لي أحد كبار موظفي هيئة الاستثمار عندما أرادوا تسهيل أداء الأعمال التجارية لتوطين الاستثمارات المحلية وجذب الأجنبية بهدف زيادة معدلات تكوين الأعمال وتعزيز القاعدة الإنتاجية الاقتصادية, خصوصا في مجال الاقتصاد الحقيقي المنتج للسلع والخدمات, حيث يقول: اتجهنا بداية لمعرفة آراء رجال الأعمال بخصوص العوائق والذين ركزوا شكواهم على وزارة التجارة, ولم تفلح الخطوات العلاجية لأن التشخيص خاطئ من الأساس، ويضيف عندما اتجهنا إلى تقرير سهولة أداء الأعمال اتضح لنا أكثر من عشرة معايير تتعلق بسهولة أداء الأعمال تتوزع على جميع أجهزة الدولة المنظمة والشركات والمؤسسات المقدمة للخدمات والتمويل، مثل: التمويل, أنظمة العمل، إنفاذ العقود، الموانئ، الخدمات الرئيسة، تسجيل الملكية، وإصدار التراخيص وإنهاء الأعمال.
وإذا قلنا بذلك على واقع مشكلة البطالة سيتضح لنا أن البطالة تتعلق بعناصر متعددة بعضها من اختصاصات وزارة العمل والباقي من اختصاص أجهزة حكومية أخرى, إضافة إلى القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، وكي نصل إلى حلول قائمة على التخطيط لا الحسم علينا أن نتجه لتفعيل مركز فكري متخصص للعمل في بلادنا يأخذ جميع أبعاد قضية العمل بشكل عام والبطالة بين المواطنين بشكل خاص للوصول إلى خطط فاعلة واقعية قابلة للتطبيق على مراحل لحل المشكلة الآن ومستقبلا.
ومن وجهة نظري, الأجهزة والهيئات المنظمة للأسواق في القطاعات كافة أحد أهم العناصر المؤثرة في قضية معالجة البطالة التي لو وضعت هذه المهمة في أعلى سلم أولوياتها بحيث تعمل على تنمية الوظائف الملائمة للسعوديين في القطاع الذي تنظمه مقابل مميزات تحصل عليها شركات القطاع الخاص العاملة في هذا القطاع سواء من ناحية تخفيض الرسوم أو تكاليف الحصول على الامتياز أو إيصال الخدمات وغير ذلك من المحفزات.
ولو أخذنا على سبيل المثال قطاع الاتصالات, حيث تعمل لدينا أربع شركات كبرى في هذا القطاع ويعمل معها شركات صغيرة ومتوسطة كثيرة ومتعددة لخدمتها، أقول لو أخذنا الفرص الوظيفية التي يقدمها هذا القطاع ونسبة السعودة فيها ثم نضع من خلال هيئة الاتصالات حوافز لهذه الشركات تشجعهم على رفع نسبة السعودة إلى أعلى درجة ممكنة مثل وضع جدول لنسبة الإيرادات المحصلة السنوية مقابل الترخيص بشكل تناقصي كلما زادت نسبة السعودة في هذه الشركات وهكذا.
أيضا في القطاع العقاري يمكن دعم الشركات المطورة ذات نسب السعودة العالية بإيصال الخدمات بشكل سريع وبتكاليف أقل وتخفيض تكاليف الرسوم وغيرها من خلال وزارة الشؤون البلدية والقروية.. والأمثلة كثير.
ختاما أعتقد أنه حان الوقت لمعالجة مشكلة البطالة من خلال مركز فكري يشكل وعاء للأفكار والخبرات المتخصصة وذات الصلة بقضايا العمل ومشكلات البطالة لتوفير أرضية للتفكير المشترك في مستقبل القوى العاملة الوطنية وقضاياها المتنوعة لإيجاد الحلول الابتكارية القابلة للتطبيق وتوفيرها لصناع الفكر والقرار للإفادة منها في توعية الرأي العام وتطوير الأنظمة والتشريعات وتنفيذ البرامج والمشروعات الهادفة إلى التوظيف الأمثل للقوى العاملة الوطنية والحد من البطالة وآثارها.